الحوار الوطنى  الضرورة والتوقيت

الحوار الوطنى .. الضرورة والتوقيت

الحوار الوطنى .. الضرورة والتوقيت

 لبنان اليوم -

الحوار الوطنى  الضرورة والتوقيت

بقلم: مصطفي الفقي

لا يختلف اثنان على أن الحياة السوية تقوم على منطق الحوار الذى يعتمد على (الديالوج) اختلافًا عن الأنظمة الفردية التى تركن للرأى الواحد بمفهوم (المونولوج) حيث لا يسمع فيها صانع القرار إلا بما يريد ولا يصل إليه إلى ما يشعره دائمًا بأن الأحوال سخاء رخاء ولا توجد مشكلات ولا أزمات، وقد أحسن الرئيس عبد الفتاح السيسى صنعًا عندما دعا فى حفل إفطار العائلة المصرية بنهاية شهر رمضان المبارك لهذا العام إلى حوارٍ بين القوى السياسية والأحزاب المتعددة والفئات المختلفة من خلال شرائح الأعمار فى التركيب السكانى للوصول إلى مستوى يليق بدولة عريقة مثل مصر، وفى ظنى أن أهمية هذه الدعوة تكمن فى أمرين أولهما الضرورة وثانيهما التوقيت، ولكن الأمر الذى لا نختلف عليه جميعًا هو أن الدعوة إلى الحوار تعنى انفراجة سياسية وانفتاحًا على القوى الموجودة ورغبة أكيدة فى تداول الرأى والرأى الآخر، وهى أمور افتقدتها دولٌ كثيرة فى مراحل تطورها خصوصًا بعض دول الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، أما عن الضرورة فمبررها أن الدول تدرك فى لحظات معينة حاجتها الماسة إلى تداول الآراء وتدوير الأفكار والاستماع إلى نصيحة الإمام الشافعى - رضى الله عنه - عندما قال (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب) إن ذلك يعنى بالضرورة رفض احتكار الصواب ويفترض أن المواطنة الكاملة تعطى حقوقًا متساوية للجميع فى ظل مراكز قانونية معترفًا بها، وقد يقول قائل ولماذا الحوار إذا كانت البرلمانات قائمة والأحزاب موجودة؟ وهو قول مردود عليه لأن الحوار يفتح بابًا واسعًا لكافة القوى السياسية والتيارات السائدة حتى المهمشة منها والتى لم تتمتع بقدرٍ كافٍ من حرية الرأى ومساحة التعبير من خلال تمثيل نيابى محدود، ولا يقف الأمر عند ذلك إذ إن الضرورة تعنى أيضًا القراءة الهادئة للمشهد العام التى تستوجب إعادة النظر فى بعض القضايا وتمحيص عدد من المشكلات والتصدى لبعض الأزمات، وإذا كان البرلمان المصرى الحالى - وهذه شهادة حق - أفضل من سابقه فإن ذلك يعنى أن الطريق مفتوح أمام عجلة التطور وتوسيع دائرة المشاركة السياسية وفتح النوافذ أمام التيارات الجديدة, خصوصًا تلك المرتبطة بالأجيال الوافدة على أرض الوطن، فإذا كانت التجربة النيابية قد أحرزت بعض النجاح فى العامين الأخيرين فإن المنظومة الحزبية فى مجملها لا تبدو على المستوى الذى تنتظره دولة كمصر لديها حزب يمتد عمره لأكثر من مائة عام وأعنى به حزب الوفد على سبيل المثال، إذ أن الأحزاب الصغيرة التى تكاثرت على الساحة دون ترتيب واضح أو استئذانٍ شعبى قد تحولت هى الأخرى إلى مظاهرة عابرة لا تترك أثرًا على الساحة السياسية، ولذلك تفسيرٌ واضح مؤداه أن الدولة البرلمانية تحتاج إلى وجود منظومة حزبية قوية، بينما الدول التى لا تأخذ بالنظام البرلمانى لا تعتمد بالضرورة على تركيبة حزبية قوية وتكون النتيجة كما نراها فى كثير من البلاد حولنا، بل إن خاطرى يذهب بعيدًا إلى سنوات عملى فى الهند وكيف كان البرلمان بمجلسيه (الراجا صابها واللوك صابها) يمارس دورًا فاعلاً فى القرار السياسى قد يغنى عن الحوار المطلوب فى الفترات المفصلية فى تاريخ تلك الدولة، وإذا انتقلنا إلى البعد الثانى وأعنى به مسألة التوقيت فإذا سلمنا كما أسلفنا بضرورة الحوار فإنه يتعين علينا أن نتلمس طريقنا نحو العوامل المرتبطة بتوقيت ذلك الحوار, بدءًا من الظروف الاقتصادية الناجمة عن أسباب داخلية أوخارجية والتى أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأسعار مع توقعات محتملة بندرة بعض السلع لأسباب ترتبط - على سبيل المثال - بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وإذا كان الجانب الاقتصادى يأخذ زمام المبادرة فى الحوار الوطنى القادم فذلك أمر طبيعى لأن الشعوب لا تقتات شعارات سياسية أو نشرات حزبية, ولكنها تعيش على الحقائق المتصلة بالحياة اليومية، بل إن الحكومات تأتى وتسقط فى دول الديمقراطيات العريقة لأسباب تتصل بالأوضاع الداخلية والحالة الاقتصادية قبل غيرها وتلك حقيقة ندركها جيدًا من استقراء الأحداث وتفسير الوقائع، ولاشك أن قضايا التعليم والصحة والإسكان والمرافق إلى جانب القفزة الكبرى فى البنية الأساسية والخدمات الفئوية تؤكد هى الأخرى أن التوقيت لازم وأنه يعنى بالضرورة أن المريض يشعر بمرضه ويحسن تشخيصه له ويسعى للعلاج منه.

..أردنا من التركيز على مفهوم الضرورة ومسألة التوقيت فيما يتصل بموضوع الحوار السياسى الوطنى القادم أن نؤكد أن ذلك هو الحوار الجاد الذى يحرك المياه الراكدة ويلقى بحجر فى دوامة الحياة اليومية للمصريين، وليس من شك فى أن الحوار فى حد ذاته هو تعبير عن عودة الروح والرغبة الكاملة فى الشراكة السياسية واستلهام الرأى الآخر والاستماع إليه مهما يكن مصدره مادام يعمل فى وضح النهار تحت مظلة الوطنية المصريةالتى نعتبرها الركيزة الأولى لبرنامج النهضة الذى اعتمدته مصر مع وصول النظام الحالى إلى السلطة إلى جانب رغبة دفينة فى الإفصاح عن آراء متباينة، سواء جاء ذلك على المستوى المصرى المحلى أو العربى القومى، أو ماهو خارج ذلك كله، فلا وصاية على أجيال تتفتح مداركها، وتتبلور آراؤها، فى عصرٍ يبدو فيه كل شيءٍ متغيرًا، وتمضى أحداثه سراعًا على نحوٍ غير مسبوق.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحوار الوطنى  الضرورة والتوقيت الحوار الوطنى  الضرورة والتوقيت



GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

GMT 02:02 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

تدليل أمريكي جديد لإسرائيل

GMT 01:56 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

«العيون السود»... وعيون أخرى!

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 10:05 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
 لبنان اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 15:46 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

وفاة الممثل السوري غسان مكانسي عن عمر ناهز 74 عاماً

GMT 15:43 2021 الخميس ,23 أيلول / سبتمبر

أعلى 10 لاعبين دخلاً في صفوف المنتخب الجزائري

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 09:07 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

صفقة نفطية لشركات أجنبية تُفجر خلافاً واسعاً في ليبيا

GMT 10:20 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجينز واسع والألوان الجريئة أبرز صيحات الموضة لعام 2024

GMT 19:00 2023 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

لصوص يقتحمون منزل الفنان كيانو ريفز بغرض السرقة

GMT 19:50 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة السيدة الأميركية الأولى السابقة روزالين كارتر

GMT 00:54 2023 الخميس ,27 إبريل / نيسان

أفضل الإكسسوارات والمجوهرات لهذا الموسم

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان

GMT 15:38 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

150 شركة تبدأ إضرابًا في إسرائيل أبرزها "ماكدونالدز"

GMT 18:24 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مصطفى حمدي يضيف كوتة جديدة لمصر في الرماية في أولمبياد طوكيو

GMT 19:00 2024 الخميس ,04 إبريل / نيسان

سعر الذهب يصل لمستويات غير قياسية جديدة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon