واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

 لبنان اليوم -

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب

بقلم: بكر عويضة

بين وقت وآخر، تسمع، أو تقرأ، من يردد مقولة تزعق بزعم خلاصته أن زعماء الفلسطينيين «لا يضيعون فرصة كي تضيع منهم فرصة سلام أتيحت لشعبهم». يرد ذلك القول، في الأغلب الأعم، على ألسنة عدد من ساسة الغرب، وصحافييه، في معرض انتقاد يوجهونه لكل رفض فلسطيني قوبل به مشروع سلمي ما، أو اقتراح دولي يعرض خطة تصالح مع إسرائيل. قليلون جداً هم الذين إذا وجهوا هكذا نقد للفلسطينيين، بادروا إلى وضع الأمر في سياق صحيح يربط بين الموقف الفلسطيني الرافض أي تنازل عن ثوابت معينة، وبين عناد إسرائيلي يتشبث بالإصرار على ما يقترب من المستحيل، فقط لكي يتواصل توجيه اللوم الدولي للجانب الفلسطيني. بيتر مانسفيلد (1928 - 96)، كان أحد أولئك القلائل المنصفين في انتقادهم افتقاد عنصر المرونة، أحياناً، عند النظر إلى موقف المفاوض الفلسطيني، مع التنبه لمدى صلف الجانب الإسرائيلي وغطرسة كل قيادات أحزاب تل أبيب عموماً. الواقع أنني أول مرة سمعت فيها تلك المقولة ذاتها كانت من بيتر مانسفيلد نفسه، أثناء حديث معه بمكاتب جريدة «الشرق الأوسط»، عندما كان أحد كُتابها المرموقين.

بيد أن موقف بيتر مانسفيلد ذاك لم يكُ غريباً على الإطلاق، ذلك أن الرجل انطلق دائماً من موقف المقتنع بعدالة القضايا العربية إزاء كل ما تعلق بتشابك علاقات عدد من دول العالم العربي مع إرث المحتل البريطاني، وهو لم يتردد في التعبير عن هذا الاقتناع فور حدوث أزمة السويس، ثم وقوع العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل) على مصر عام 1956، إذ سارع إلى الاستقالة من عمله في وزارة الخارجية البريطانية احتجاجاً على سياسات حكومة أنتوني إيدن. مذ ذلك الموقف الشجاع، ظل بيتر مانسفيلد يواصل الدفاع عن عدالة المواقف العربية، من خلال ما كتب من مقالات في صحف بريطانية عدة، وما وضع من مؤلفات، مثل «العرب»، «تاريخ الشرق الأوسط»، «مصر ناصر»، «البريطانيون في مصر»... وغيرها، وقد أسهم ذلك الجهد الثري إلى حد كبير في توسيع فهم الجمهور البريطاني لأوضاع العالم العربي.

أبعد من آفاق الفضاء الصحافي خصوصاً، والثقافي عموماً، انطلق بيتر مانسفيلد مع غير صديق له، لعل أبرزهم كان مايكل آدامز، فوضعوا بعد حرب يونيو (حزيران) 1967 مباشرة، أسس إطلاق «كابو»، أي «مجلس التفاهم العربي - البريطاني»، كمؤسسة غير نفعية، بقصد تعزيز علاقات البريطانيين بالعرب كمواطنين، بعيداً عن متطلبات، أو مراسيم الجوانب الرسمية. أدى ذلك المجلس، ولا يزال يؤدي، دوراً يستحق أن يوصف بالتميز على صعيد تعميق الفهم المتبادل بين الثقافات العربية البريطانية، وبلا اشتراطات مسبقة. أول تعارف بين بيتر مانسفيلد وبيني جرى ربيع عام 1983 تحت سقف مجلة «التضامن»، عندما أسسها في لندن الكاتب الصحافي الكبير فؤاد مطر، الذي حرص على تخصيص صفحات من المجلة لأقلام كتّاب وكاتبات غير عرب، فكان بيتر مانسفيلد أحدهم، وهيلينا كوبان، وغيرهما.

الأربعاء الماضي، مرت الذكرى السادسة بعد العشرين لرحيل بيتر مانسفيلد عن ثمانية وستين عاماً (9-3-1996) بعد صراع مرير مع ذلك الخبيث لم يمهله طويلاً. أحاديث عدة مع بيتر سوف تبقى تحتل مكانتها في ذاكرتي، فقد كان، بكل صدق، بئراً من صفاء العواطف الجياشة تجاه العالم العربي، بشراً وحضارة وتاريخاً. كذلك، سوف يبقى خيال ابتسامته الودودة يرتسم أمامي حين أستحضر إجابته الخجولة عن تساؤل لي؛ هل أنصف العرب أصدقاءهم الذين ساندوهم قدر ما يستحقون؟ كان يرفق تلك الابتسامة بالقول يمكنهم أن يفعلوا أكثر. الحق أن بيتر مانسفيلد لم يكن يشكو أبداً، ولا شكت أيضاً الممثلة القديرة فانيسا ريدغريف، حين التقيتها في صالون فندق «قصر ليبيا» ببنغازي عام 1971، لإجراء حديث صحافي معها، كان كل ما قالت تعبيراً عن الضيق إزاء تجاهلها بضعة أيام: لماذا يدعوننا إذا كانوا مشغولين جداً وليس لديهم وقت للقائنا؟ نعم، بإمكان كل العواصم، وكذلك المؤسسات العربية غير الرسمية، أن تفعل دائماً أكثر، وأفضل، كي تقول لأصدقاء العرب حيثما هم وهن: شكراً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب واجبٌ إنصاف أصدقاء العرب



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 00:08 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

وزارة الصحة التونسية توقف نشاط الرابطة الأولى

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 23:44 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مارادونا وكوبي براينت أبرز نجوم الرياضة المفارقين في 2020

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 11:03 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

إتيكيت طلب يد العروس

GMT 10:04 2021 الإثنين ,10 أيار / مايو

الهلال السعودي يحتفل بمئوية جوميز

GMT 18:43 2022 الإثنين ,09 أيار / مايو

أفضل النظارات الشمسية المناسبة لشكل وجهك

GMT 17:41 2020 الجمعة ,11 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 22:26 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصارع يضرم النار بمنافسه على الحلبة

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon