غريتا وحليمة مِثالان جميلان

غريتا وحليمة... مِثالان جميلان

غريتا وحليمة... مِثالان جميلان

 لبنان اليوم -

غريتا وحليمة مِثالان جميلان

بقلم :بكر عويضة

هما بالتأكيد ليستا وحيدتي زمانهما في تقديم مثال جيد، لكنهما محظوظتان أنهما نجحتا في لفت الأنظار فنالتا من الاهتمام الإعلامي، على صعيد عالمي، ما تستحقان. نساء كثر حول العالم، من مختلف الأعمار، يَضرِبن كل يوم أكثر من مَثل رائع، سواء في إعطاء سعادة الغير أولوية على نعيم الذات، أو في الصبر على ظلم بعض أقرب الأقربين، مِثل أولئك اللواتي يُضربن، أو يُوبخن، وأحياناً يُعْضلن أو يُعنّفن، بلا أي سبب، وفي حالاتٍ أسوأ ربما يُقتلن، خصوصاً عندما يجري استخدام مبدأ صون العرض في غير محله، فتُتَهم الضحية، ظُلماً، بذنبٍ لم تجن، وتُرمى زوراً بما لم تكسب يداها من إثم، ومِن ثمّ تدفع حياتها ثمن جُرم افتُري عليها، وغالباً ما يهرب المجرم من الحساب.

الشابة حليمة عدن، والصبية غريتا ثونبيرغ، نجحتا في ضرب مثالين أثبتا أن المرء إنْ امتلك صَلب العزيمة، فُتحت طريق الوصول إلى صُلب الهدف المأمول، سواء كان الأمل المنشود يتعلق بطموح فردي خاص، أو هو شأن عام يخص عموم الناس. بعد ولادتها في مخيم لاجئين بكينيا لأبوين صوماليين، وصلت حليمة، ذات الستة أعوام، أرض الحلم الأميركي مهاجرة صحبة أمها وشقيقها. مع بلوغها الثانية والعشرين، نجحت حليمة في بلوغ عالم عروض الأزياء الصعب، والكثير التطلّب، ثم في فرض حضورها، بلا تخلٍ عن التزامها بواجبات دينها، فشاركت في العروض بأزياء محتشمة، كما شوهدت تحمل سجادة صلاتها حيثما توجهت. إزاء تمسكها القائم على الاعتدال، بهويتها كمسلمة، قوبلت حليمة باحترام زميلاتها والعاملين معها في ذلك المجال، لكنها تعرضت لحملات غضب وجهها متطرفون ضدها.

أما السويدية غريتا إليونورا إيمان ثونبيرغ، ذات الستة عشر عاماً، فتشكل حالة نجاح ليست ذاتية على الإطلاق. لذا، يلفت النظر كيف رافق ظهور اسم غريتا، وانتشاره عالمياً، نوعان من ردود الفعل. أولهما، وهو الأشمل والأهم والأصح، تمثل في إعجاب دولي أكسبها احترام وتقدير كل مهتم بخطورة التغيّر المناخي. أما ثانيهما، فهو نوع من الغضب غير المفهوم السبب تجاهها. في كل مرة مرّ بي تعليق، قراءة أو استماعاً، يصب جام النقد الغاضب ضد الصبية غريتا، وجدتني أتساءل: لِمَ هذا الغضب، أتراها مجرد الغيرة من شهرتها، خصوصاً بعدما اختارتها مجلة «تايم» الأميركية - العالمية شخصية عام 2019. حتى أنها لم تنج من تغريدات الرئيس دونالد ترمب الساخرة؟ أيعقل أن تواجه غريتا هكذا تسخيف لجهودها، أو استخفاف بها، لمجرد أنها لم تزل تلميذة؟ أليس الأحق هو تقدير أنها تولي مناهج دراستها ما تستحق من اهتمامها، ثم أضافت تحمل مسؤولية تنبيه الناس، مواطنين ومسؤولين، إلى ضرورة تغيير نهج التعامل اليومي مع مشاكل البيئة لمواجهة خطورة التغير المناخي الحاصل في مشارق الأرض ومغاربها؟

يكفي النظر إلى ما يشهد العالم من كوارث بيئية تتفق معظم الآراء على أنها نتيجة للتغيّر المناخي المتواصل منذ اكتشاف ثقب الأوزون، كي يُقدّر جهد غريتا ثونبيرغ، بدل السخرية منها، أو توجيه النقد الغاضب لها. حرائق الأيام القليلة الماضية في غابات أستراليا، والفيضانات في عدد من قرى ومدن بريطانيا، هي آخر أمثلة التأثير الكارثي للتغير في مناخ الأرض، والشواهد تشير إلى أنها ليست الأخيرة، التاريخ سوف يسجل للصبية غريتا ثونبيرغ حماستها، منذ صغر سنها، لضمان مستقبل جيلها في مواجهة مخاطر الآتي من كوارث تهدد البشرية. تقدّر مؤسسات عالمية أن مائة مليون في الدول الفقيرة، يواجهون خطر مجاعات بحلول عام 2030 بسبب الجفاف الناجم عن تغير المناخ، وللسبب ذاته يُتوقع أن يرتفع عدد المهاجرين بحثاً عن بيئة أفضل للحياة إلى مائة وثلاثة وأربعين مليوناً، مع حلول العام 2050. لعل في هذا ما يبرر لماذا خاطبت غريتا ثونبيرغ حضور قمة الأمم المتحدة المخصصة لتغيرات المناخ الاقتصادية في سبتمبر (أيلول) الماضي بشيء من التوبيخ: «تقولون إنكم تحبون أطفالكم أكثر من أي شيء، لكنكم تسرقون مستقبلهم أمام أعينهم».

في كلتا الحالتين، يمكن بوضوح ملاحظة أن أغلب الغاضبين على الصبية غريتا، والشابة حليمة، ينتمون إلى جيل يكبرهما بعقود. الأرجح أن فارق العمر يلعب الدور الأساس في هكذا غضب. المسافة بين الأجيال ليست تُقاس بالأعمار فحسب، بل بمقياس كم تواكب الأفكار روح العصر. هذا هو المعيار الأهم، ولذا تشكل غريتا وحليمة مِثالين جميلين.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غريتا وحليمة مِثالان جميلان غريتا وحليمة مِثالان جميلان



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 23:51 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 21:45 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 20:40 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 14:05 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 13:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 21:09 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 15:12 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 23:19 2023 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

موضة المجوهرات الصيفية هذا الموسم

GMT 21:17 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

مكياج عروس وردي مميز لعروس 2021

GMT 19:41 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

وزير الرياضة المصري يستقبل رئيس نادي الفروسية

GMT 15:12 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

مشاركة 14 مصارعا جزائريّا في دورة باريس الدولية

GMT 08:03 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

إجلاء نحو 117 ألف شخص بسبب الفيضانات في كازاخستان

GMT 12:47 2020 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

موديلات بروشات للعروس مرصعة بالألماس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon