من طوكيو إلى ميونيخ

من طوكيو... إلى ميونيخ

من طوكيو... إلى ميونيخ

 لبنان اليوم -

من طوكيو إلى ميونيخ

بقلم: بكر عويضة

العكس هو الأصح، وليس كما أورد عنوان المقال، فسجلات تواريخ دورات الأولمبياد توثق أن دورة ألعاب ميونيخ تسبق طوكيو بثمان وأربعين عاماً، لو أن مسابقات الثانية جرت في موعدها عام 2020. لكن - كما يعرف الجميع - نجح وباء فيروس «كورونا» في وضع عوائق الخوف من انتشار مرض «كوفيد» أمام تنظيمها، فحال ذلك بينها وبين تمتع الناس في مختلف أنحاء العالم ببهاء منافساتها، التي اختُتمت الأحد الماضي. ثمة سبب مِهني أيضاً كان يوجب أيضاً تقديم عاصمة اليابان، وهو أن حدث أولمبيادها هو الأحدث، زمنياً. لِمَ ذِكر ميونيخ إذن؟ للإخطار، مُسبقاً، أنني ذاهب في زيارة للتاريخ، أو قُل إنها محاولة ذهاب إلى المستقبل، إنما على الطريق المعاكس، كما في تعبير عنوان الفيلم الأميركي الشهير «Back To The Future». تلك زيارات قلما تخلو من أخطار تحدق بمن يقدم عليها.
هل من الضروري أن يجازف المرء بخطر التعرض لأكثر من حجر اتهام سوف يُرجم به، لمجرد القيام برحلة استكشاف في دهاليز ماضٍ تولى؟ نعم، هي ضرورة قد ترقى إلى مقام واجب مفروض على معايشي مراحل معينة من تاريخ أوطانهم، أو مسيرة أي حركة ذات زخم متميز في نضال شعبها من أجل الحرية والاستقلال. أعني أن أي اعتزاز بالحاضر يجب ألا يخشى استحضار الماضي بقصد تفادي أخطائه. مع ذلك، لا بد من تحضير النفس كي تواجه رفض ذوي الحماس المفرط في تعصبه «ZEALOUS» على نحو غير قابل بشروط أي جدل موضوعي يستهدف تصحيح فهم ما جرى في مراحل محددة. يحدث هذا في مسيرات مختلف حركات التحرر الوطني، ومنها، مثلاً، حركة «فتح»، التي يُسجل لها إنجاز إطلاق سراح قضية فلسطين من معتقل النظر إليها كمأساة لاجئين، إلى التعامل العالمي معها وفق أصل نشوئها، أي كونها قضية شعب اقتِلع من أرضه كي تقام دولة لغيره فوق أنقاض مجمل تاريخه الممتد عشرات القرون في أعماق التاريخ. ضمن هذا السياق، من الطبيعي أن تمر «فتح» بمخاضات عدة، وأن تتعرض لعدد من الخضات، ما جعلها عُرضة للتشرذم، فأثبت ذلك استحالة تطبيق مقولة مؤسسيها الأوائل أنها «رقم غير قابل للقسمة». بين تلك الخضات، كان تأسيس جناح عسكري لها حمل اسم «أيلول الأسود» أوكِل إلى أعضائه تنفيذ عمليات كان هدفها إرهاب إسرائيل، وتخويف مواطنيها، أو مؤيديها، في أي مكان على المسرح العالمي، ومنها مسرح أولمبياد ميونيخ خريف عام 1972. تُرى، هل يمكن حصر المقارنة بين الحضور الفلسطيني في أولمبياد طوكيو، وبين ذاك الذي أذهل العالم في ميونيخ، في الفارق الزمني، أم أن الأمر أعمق بكثير؟
واضح أن المقارنة تتجاوز مجرد فارق الزمن. في أولمبياد طوكيو شاهد العالم عدداً من الشابات يرتدين زي فلسطين، وإلى جانبهن مجموعة شبان، فيما العلم الفلسطيني يرفرف في فضاء اليابان محمولاً على أكف أعضاء الفريق. رسالة ذات أفق حضاري تقول بصريح الكلام إن شعب فلسطين محب للسلام. أما في دورة ميونيخ، فإن الفريق المُحتجِز لاعبين في المنتخب الإسرائيلي، نجح في اختطاف القرية الأولمبية بأكملها، وفي شل ألعاب الدورة طوال العملية، فحقق الهدف من حيث ترويع الإسرائيليين، وإشعارهم أن أمنهم قابل للاختراق حيثما كانوا. بيد أن ذلك النجاح كان مقابل إخفاق تام في انتزاع أي تعاطف عالمي من قبل أغلب عموم الناس في مختلف بقاع الأرض. على النقيض من ذلك، كان المردود، دولياً، أقرب إلى صالح صورة «إسرائيل الضحية»، منه إلى الموقف المتفهم لحقوق الفلسطينيين في أرض أجدادهم. هل كان ممكناً، ذاك الزمان، لحركة «فتح» أن تضع جانباً العمل المُسلح وأن تكتفي بنضال سياسي؟ كلا، مؤكد. إنما كان بالوسع تجنب خطر نقل الصراع إلى مدن العالم، بدءاً من أول عملية من هذا النوع نفذتها الجبهة الشعبية باختطاف إحدى طائرات «العال» إلى الجزائر يوم 23 - 7 - 1968. لقد اتضح، لاحقاً، لمعظم قيادات النضال الفلسطيني، ولو بعد كثير من الخسائر، عالمياً، أن كل العمليات الخارجية أضرت قضية الفلسطينيين أكثر مما أفادتها. يبقى القول إن أرشيف مشوار تجربتي المِهنية يتضمن ذكريات تعامل غير عادي، صحافياً، مع عملية ميونيخ. حصل ذلك حين كنت محرراً بصحيفة «البلاغ» الليبية. كانت أياماً عصيبة تخللتها تفاصيل مِهنية تظل عصية على النسيان.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من طوكيو إلى ميونيخ من طوكيو إلى ميونيخ



GMT 18:19 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

كرة ثلج شيعية ضد ثنائية الحزب والحركة!

GMT 17:28 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

مقتطفات السبت

GMT 17:26 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

سؤالان حول مسرحية فيينا

GMT 08:29 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس التعاون حقاً

GMT 08:28 2021 الأربعاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم هي «الحفرة اللبنانية»

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:45 2023 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 11 أبريل / نيسان 2023

GMT 17:08 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

ربيع سفياني يكشف أسباب تألقه مع التعاون

GMT 19:29 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

نائب رئيس الشباب أحمد العقيل يستقيل من منصبه

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 22:12 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجدي الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:14 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 03:49 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

"Dior" تجمع عاشقات الموضة في حفل سحور بدبي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon