الأسرة العربيّة في حالة ارتباك
أخر الأخبار

الأسرة العربيّة في حالة ارتباك

الأسرة العربيّة في حالة ارتباك

 لبنان اليوم -

الأسرة العربيّة في حالة ارتباك

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

 

يمثل هذا اليوم مناسبة مهمة بعدّه اليوم العربي لحقوق الإنسان الذي يندرج هذه السنة تحت شعار «حماية الأسرة وتنمية أواصرها». وكما نعلم فإنَّ العالم يحتفل في منتصف شهر مايو (أيار) من كل عام باليوم العالمي للأسرة.

ولا شك في أن تخصيص يوم من شأنه أن يملي على الجميع في الدول العربية طرح واقع الأسرة في الفضاء العربي والإسلامي اليوم وما تشهده من تحديات تستحق النظر والنقاش والمعالجة.

طبعاً تشهد مؤسسة الأسرة في كل العالم اليوم أزمة حقيقية، حيث تغير شكلها من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية الصغيرة، وشهدت العلاقات الاجتماعية داخلها تغييرات في القيم وفي الشكل أيضاً، حيث بدأ شكل العلاقة الأفقية يهيمن على العمودية. ويمكن القول أو تقديم استنتاج أولي مفاده أن حالة التردد والانفصام بين نمطين من العلاقات في الوقت نفسه هي التي تنتج التوترات والتصادمات وحوّل فضاء الأسرة اليوم إلى فضاء لإنتاج التوتر.

لنعترف في البداية أن الأسرة في البلدان العربية لم تفقد أهميتها ولا تتعرض إلى الهزات العنيفة التي شهدتها الأسرة في أوروبا. ولكن في الوقت نفسه لم تعد للأسرة السلطة نفسها ولا الحتمية في فرض النسق القيمي والثقافي ونقل المضامين القيمية بشكل عمودي. فالعلاقة بين المرأة والرجل تغيرت وبدأت تشهد الهيمنة الذكورية نوعاً من التقلص والتراجع، وذلك لفائدة تصاعد أهمية المرأة في المجتمع كله، إذ أصبحت فئة ناشطة اقتصادياً وشريكة في البناء والفعل الاجتماعي، فأصبح اليوم في المجتمع فاعلان، هما المرأة والرجل، وليس فاعلاً واحداً هو الرجل، حتى وإن كان الأمر يختلف من بلد إلى آخر ومجتمع إلى آخر.

لا اختلاف في كون التغير الحاصل في النسق الثقافي العربي بعد الدخول في تجارب التحديث ومحاولات التأقلم مع المستجدات الحضارية قد أنتج ارتباكاً كبيراً وتداعيات كثيرة، ولكن نعتقد أن الإشكال لا يكمن في معادلة الهوية والانفتاح أو الخصوصية الثقافية والعولمة أو الأصالة والحداثة. فنحن أصحاب حضارة ضاربة في القدم وأسهمت في تاريخ الإنسانية، ومعروف عن الحضارات الكبيرة أنها ذات قدرة على التأقلم، وهو ما قامت به مجتمعاتنا، حيث نلحظ الانصهار العالمي لفئات عريضة من التعداد العربي.

من جهة ثانية، فإنه لا يخفى على أحد أن التغير الثقافي ليس سهلاً، ويحتاج إلى عقود وقرون حتى يتم، ومن ميزة التغير الثقافي البطء. فالتمثلات الاجتماعية والعقليات تتغير ببطء وعبر الأجيال باستثناء من ينجحون في إعادة بناء ذواتهم، وهم قلة، ويظل النجاح في هذا السياق فردياً ولا يمكن سحبه على مجتمع.

إذن من الطبيعي أن يتطلب هضم قيم التحديث والعقلانية وقتاً طويلاً، ونظن أن مجتمعاتنا قطعت من الوقت اللازم مسافة زمنية، عادّة أن غالبية الدول العربية في فجر استقلالها هرعت نحو الرهان على التعليم وبناء دول تمنح التعليم أولويته، وهذا المعطى هو الذي سرّع من وتيرة التغيير الثقافي حتى أصبح العقد بمثابة الجيل، وما كان يحصل بعد جيل أي بعد ثلاثة عقود أضحى يصير في عقد واحد.

إذن يمكن القول إنَّ الأساس الثقافي للأسرة العربية شهد تنقيحات ساهم فيها التعليم الذي يمثل المحرك الأساسي لأي عملية تغيير ثقافي مجتمعي ولأي مشروع ضخم في الاستثمار في الإنسان.

يبدو لنا أن المشكل يكمن بالأساس في التحديات الاقتصادية التي تعيشها غالبية البلدان العربية اليوم، وتأثير الأحداث العالمية على استقرار مسارات التنمية، وأحياناً حتى التدبر اليومي للحياة. فتداعيات الظروف العالمية والحروب والمواقف والأزمات المباشرة وغير المباشرة زادت في نسب الفقر ومعدلات البطالة، الشيء الذي مس في العمق مؤسسة الأسرة التي باتت اليوم مهددة بحالات الطلاق غير المسبوقة في العالم العربي، ناهيك من العنف وتراجع القيم الإيجابية.

وإذا كانت الأسرة في الفضاء الأوروبي قد تراجعت وتلاشت قوتها بسبب الأنموذج الثقافي الذي يقدس الفرد وحرية الفرد ويشجع الفردانية، فإن الارتباك ومشكلات الأسرة العربية اليوم سببها يكاد يكون اقتصادياً محضاً؛ فمجتمعاتنا غير عازفة عن الزواج وتحمل في ثقافتها نظرة إيجابية إلى حد التقديس للأسرة، ولكن ثقل الإكراهات الاقتصادية تدفع بالبعض إلى التوتر والعنف والتهاون مع هذه المؤسسة.

لذلك؛ فإن مربط الفرس هو مكافحة الفقر في دولنا ومتى نجحنا في ذلك فإن حجارة كثيرة ستسقط متدفقة وكأنها لم تكن.

والمفيد جداً في مرحلة المخاضات المتعددة التي تشهدها مجتمعاتنا أن تكون الأسرة على رأس موضوعات علم الاجتماع ودراساته.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسرة العربيّة في حالة ارتباك الأسرة العربيّة في حالة ارتباك



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 17:21 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:52 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 15:01 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:10 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

الضحك والمرح هما من أهم وسائل العيش لحياة أطول

GMT 14:14 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:20 2022 الثلاثاء ,15 آذار/ مارس

أفضل العطور النسائية المناسبة لموسم الربيع

GMT 20:56 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

وقفات تضامنية أمام قصور العدل في زحلة

GMT 07:08 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر بطيء الوتيرة وربما مخيب للأمل

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 11:27 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تركز انشغالك هذا اليوم على الشؤون المالية

GMT 05:22 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

نصائح لاختيار أحذية الـ Pumps بشكل صحيح

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا

GMT 09:25 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

6 تحذيرات من رئيس واتساب لجميع المستخدمين

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قبرص وجهة سياحية رومانسية لعشاق الطبيعة والهدوء
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon