هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ

هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ؟

هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ؟

 لبنان اليوم -

هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ

توفيق أبو شومر
بقلم : توفيق أبو شومر

استغربَ أحدهُم مِن إعلامِيٍّ بارزٍ، وهو يمدح أحد القادة، يكادُ يُخرِجه من بشريته، ما دفعني إلى أن أتذكَّر هذه اللقطاتِ من تاريخنا الأدبي العربي، فنحن، العربَ، عمداءُ (سِلك) الفخر والمدح الدبلوماسي في العالم أجمع!
قديما، وظَّفَ الأمراءُ العربُ شعراءَ كثيرين في بلاطهم، مهمتُهم مدحُ الأمراءِ بصورٍ طريفةٍ.كان شعراءُ البلاط ومادحو السلاطين إعلاميي العصر السالف، كانوا الناطقين الإعلاميين الرسميين باسم الأمراء، مدحوا الولاة والأمراء، وثَّقوا هذا المدح في سجلات الشعرِ بعد أن صاغوا النِّفاق في طرائف خالدة في أدبنا العربي. من أبرز أبياتِ النِّفاق الطريفة بيتٌ شعريٌ نُسبَ خطأً للشاعر المتنبي، هذا البيت قاله الشاعرُ، محمد بن عاصم يمدح، كافورا الإخشيدي، بعد حدوثِ زلزال في مصر، قال:

ما زُلزلت مِصرُ من كَيدٍ ألمَّ بها....... بل رقصت من عَدلِكم طَرَبا.لم يتوقف هذا النِّفاقُ على هذه الصورة الغريبة، بل وصل الحالُ ببعضِ الشعراءِ أنَّهم انتهكوا المقدسات، كما فعلَ الشاعرُ، ابن هانئ الأندلسي، المتوفَّى العام 973م، وهو يمدح الخليفة الفاطمي، المعز لدين الله، والغريب أن الخليفةَ لم يستأ من هذا المدح، بل انتشى طربا على وقع هذه الأبيات: ما شئتَ، لا ما شاءتْ الأقدارُ.... فاحكم فأنتَ الواحدُ القهَّار.وكأنما أنتَ النبيُ محمدٌ....... وكأنما أنصارُك الأنصارُ.

أنت الذي كانت تبشِّرنا به....... في كتبها الأخبارُ والأحبارُ.هذا الذي تُرجى النجاةُ به.... وبه يُحَطُّ الإصرُ والأوزار.قديما قال العربُ: "أعذبُ الشعرِ أكذبُه" لأن الشعرَ الطريف هو الشعر الباعث على الدهشةِ، المحرِّض على تكوين صور الخيال، هذا الشعرُ المُغرقُ في نحتِ الصور الطريفة فَنٌ جاذبٌ للقارئين، باعثٌ للدهشةِ والابتسام، لذلكَ افتنَّ الشعراءُ في توليدِ الصورِ الطريفةِ.بدأ الشاعرُ، المتنبي مسيرته الإبداعية بنحتِ الصور الطريفة، وكأنه فنانٌ تشكيلي رسم لوحةً فنيةً شائقة، قال في صباه، يصفُ معاناتِه كشابِّ، وكيفَ حوَّلتْه المعاناةُ إلى خيالٍ، لا وجود له في الواقعِ العملي، فقد صار المتنبي نحيلا كعود السواك قال:

رُوحٌ تَردَّدُ في مثلِ الخلالِ إذا.... أطارتْ الريحُ عنه الثوبَ لم يَبِنِ.
كفَى بجسمي نُحولا، أنني رجلٌ .... لولا مخاطبتي إياكَ، لم تّرني.
لم تقتصرْ الصورُ الشعريةُ على رسمِ النفسِ الفردية في لوحاتٍ طريفةٍ، بل امتدَّ إبداعُ نحتِ الصور الطريفة، إلى الفخر القبلي، الفخر بسطوة القبيلة والعشيرة، في مقابل المنافسين، مثلما قال الشاعرُ، بشار بن برد مفتخرا بقبيلته، مُضَر:
إذا غضبنا غَضبةً مُضريةً ..... هتكْنا حجابَ الشمسِ أو قطَّرتْ دَمَا.
إذا ما أعرنا سيدا في قبيلةٍ...... ذُرا مِنبرٍ صلَّى علينا وسلما.
سيبقى الشاعرُ الجاهليُ، عمرُ بن كلثوم عميدَ شعراء الفخر، فقد أرسى قواعد الفخر بصفتين قبليتين، الأولى كثرة العدد، والثانية، النفوذ والسطوة:
ملأنا البرَّ حتى ضاقَ عنَّا...... وظهرُ البحرِ نملؤوه سفينا.
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ...... تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا.
إنَّ النفاق، والمدح الزائف من أبرز تراث العرب الشعري، وما مادحو الأمراء والسلاطين من إعلاميي الألفية الثالثة سوى نُسخةٍ مشوَّهةٍ من أدب المدح العربي، إنها نُسخة تخلو من الإبداع والطرافة، هم مقلدون، غير مبدعين، وفق قول الشاعر، رؤبة بن العجاج، يمدحُ عديَّا الطائي: "بأبِهِ اقتدَى عَدِيُّ في الكرم.... ومَن يُشابه أَبَهُ فما ظَلَم"!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ هل النِّفاقُ مِلحُ الشعراءِ



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:05 2025 السبت ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان
 لبنان اليوم - غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الطيبة جنوبي لبنان

GMT 10:52 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:47 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:19 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

آبل تُطلق قريباً ميزة لهواتف آيفون

GMT 15:13 2022 السبت ,07 أيار / مايو

اتيكيت تقديم الطعام في المطاعم

GMT 10:51 2020 الأحد ,26 إبريل / نيسان

انضمام هند جاد لـ "راديو9090" خلال شهر رمضان

GMT 20:33 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب غرب إندونيسيا

GMT 11:49 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في الكويت الإثنين

GMT 18:15 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

يوفنتوس أوقف مفاوضات تمديد عقد فلاهوفيتش

GMT 04:34 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

كشف أسرار جديدة ومميزة عن التيروصورات الطائرة

GMT 13:41 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تغييرات مفاجئة تحدث لك خلال هذا الشهر

GMT 10:00 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ترامب في زيارة رسمية إلى أيرلندا للمرة الأولى
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon