حسن ودوريت

حسن ودوريت

حسن ودوريت

 لبنان اليوم -

حسن ودوريت

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

لا الثنائي بشروطهم، ولا الثنائي بشروطنا.. فكيف عليك أن ترث السماء من السماء؟ محمود غيمة سماء عبرت أرض ريتا (أمطرت؟ لم تمطر!) زياد غيمة تعبر أرض عينات (سحابة غير ماطرة).. وحسن غيمة مازنة أمطرت على أرض دوريت، فإذا بالأرض تنبت شوكاً وشكوكاً.
لا أعرف كيف عرف محمود ريتا، حتى بعد أن عرفتُ محمود. لا أعرف كيف زياد عرف عينات حتى بعد أن عرفتُ زياد.. والآن، لم أكن أعرف كيف عرف حسن حوراني دوريت.. إلى أن عرفت كيف عرفته دوريت.
حسن حوراني فراشة، والفراشة تطير في الهواء ولا تسبح في الماء. ودوريت سألته: ألا يكفيك بحر غزة. قال: أحب بحر حيفا. حسن حوراني يعرف كيف يجعل ريشته أجنحته، ودوريت سألته: كيف لا تجيد قيادة السيارة..؟ وهكذا حلّ التنائي بديلاً من الثنائي، منذ فتح حسن ذراعيه الطويلتين، وحاول تطويق خصر فلسطين من النهر إلى البحر. اتفقا على أن فلسطين هي البلاد وإسرائيل هي البلاد.. وعندما وجدت دوريت أن ذراعَيْ حسن طويلتان ـ مديدتان على خصرها الضيق، تملصت من ذراعيه.. وسكنها الخوف من حسن، لأنه قال: إذا كنتُ سأصير لك وكنتِ ستصيرين لي.. فلماذا لا تصير البلاد لك ولي؟!
خالد حوراني يشرب القهوة معي في مقهى الكرامة. قهوة اسبرسو أو قهوة فلتر بسكر أو سادة، مع جريدة على الطاولة.. وأخيراً، مع مقالة مترجمة من العبرية إلى العربية، وفيها تروي الإسرائيلية دوريت قصتها مع الفلسطيني حسن.
في نيويورك، في منهاتن أو في بروكلين تصعلك الفلسطيني مع الإسرائيلية
بائع السجائر الأميركي الأسود اعتاد أن يأخذ نقود دوريت ويعطيها علبتها دون كلام.. دون سلام، ولكنه، إذا رآها مع حسن، تحوّل البائع البليد ساحراً فكِهاً، يُدخل النقود من أذنه ويُخرجها من فمه!
في نيويورك، في بروكلين أو منهاتن، تصعلكت الإسرائيلية مع الفلسطيني. رجل مشرّد «هوم لس» رأى دوريت، للمرة الأولى، برفقة حسن.. فأصرّ أن يرقصا معه، ويعزفا على غيتاره، ويتدفآ معه. صار الصعلوك البائس مخلوقاً جذلاً. حبّ في كتاب؟ حبّ على الشاشة؟ حبّ على المسرح!.. وحبّ في الشارع؟! بائع السجائر صديقنا؟ قالت: نعم. الصعلوك صديقنا؟ قالت: نعم. نيويورك لنا؟ قالت: نعم.. والبلاد لنا؟.. قالت: لا.. فلسطين لك وإسرائيلي لي.
قرأتُ، إذاً، كيف عرفت دوريت حسن، كما قرأت كيف عرف محمود ريتا، وكيف عرف زياد عينات. في زيارة أخرى لدوريت إلى نيويورك قد يسألها بائع السجائر الأسود: أين ذلك الشاب الذي يمشي كأنه يطير؟ ستقول: غرق في البحر. قد يسألها ذلك المتشرّد: أين ذلك الطفل الذي يضحك كأنه يبكي، أو يبكي كأنه يضحك؟. ستقول: توهم البحر كأس ماء. على فنجان قهوة، وقهوة مع جريدة، وجريدة مع مقالة دوريت عن حسن، قلت لخالد حوراني: هل تعرف؟ حتى ابنتي وقعت، خلال زيارتها، في غرام أخيك بعد نظرة إلى أعماله في حديقة مركز القطان ونظرة إلى وجهه. ربما رأته بالعين التي رآه بها بائع السجائر الأسود في منهاتن، والمتشرّد في بروكلين.. أو كما رأيت أنا يقظته من نومه في بيتك.
بين محمود وعيون ريتا بندقية، وبين زياد وعيون عينات مخيم الجلزون ومستوطنة «بيت إيل».. وبين دوريت وحسن بحر لا يتّحد مع بحر وبرّ ينقسم عن برّ، وجسد لا يتّحد مع روح.. وذراعان مديدتان تطوّقان البلاد من النهر إلى البحر، وفراشة تطير ولا تعوم، وفنّان يسافر في اللون مع فراشاته.. ولا يجيد إمساك عجلة قيادة سيارة.
قضيتُ ليلة واحدة في بيت خالد حوراني، آخر شارع الإرسال. غرفة الضيوف صارت مثل غرفة الأولاد في بيت من بيوت المخيم. الأريكة سريري، والأريكة الأخرى سرير محمد بكري.. وحسن حوراني أحبّ أن يفترش الأرض.
مع الفنجان الثاني من قهوة الصباح، استيقظ حسن كما يستيقظ الطفل من نومه.. وجلس كما يجلس الطفل في فراشه بعد استيقاظه من نومه. واستيقظ وجلس ضاحكاً كما يستيقظ الطفل ضاحكاً من نومه.
البلاد لك ولي؟ لا. المسميّة لك ولي؟ لا. رام الله لك ولي؟ لا. البحر لك ولي؟ لا.. نيويورك لك ولي؟ نعم! السماء؟ نعم. الهواء؟ نعم.
.. الحلم؟ لا؟! الجحيم؟ نعم.
حسن البطل
15-1-2004
* في ذكرى رحيل الفنان حسن حوراني

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسن ودوريت حسن ودوريت



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 21:00 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:15 2021 الخميس ,04 آذار/ مارس

طريقة عمل طاجن العدس الاصفر بالدجاج

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع

GMT 17:07 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

"جاسوس الحسناوات" انتهك خصوصية 200 ضحية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon