بقلم : غسان زقطان
في إحدى زياراتي للولايات المتحدة ضمن جولة طويلة استغرقت أكثر من أربعة أسابيع، وشملت العديد من القراءات في عدد من المؤسسات والجامعات من بينها هارفارد وييل وكولومبيا وواشنطن، وصلنا، الشاعر والمترجم فادي جودة وأنا، "أمهيرست" في الليل بعد رحلة طويلة ومنهكة، كان المنظمون قد حجزوا لنا للمبيت في نزل صغير يحمل اسم "اللورد جيفري"، سأكتشف بعد وصولي مباشرة إلى بهو الطابق الأرضي أن النزل هو بيت أقام به "اللورد" الذي تسبب في مقتل عشرات الآلاف من السكان الأصليين بالتعاون مع العقيد "هنري بوكيه" بواسطة أغطية، بطاطين، موبوءة بالجدري حصدت آلاف الأرواح من قبائل السكان الأصليين، لست متأكداً إذا كان بيته الشخصي أو أنه أحد مقرات قيادته، وإن كنت أرجح إقامته فيه بسبب طريقة توزيع الغرف والأثاث والمدفأة في الطابق الأرضي، وبعض الروايات التي تتبعتها عن حياته، في العام 2019 أزيل اسم جيفري بسبب جرائمه بحق السكان الأصليين عن أحد شوارع مونتريال وتحت ضغط الحركات الشعبية، واستبدل باسم من اللغة الأصلية لقبيلة الموهيك.
أفكر الآن إذا ما زال اسم ذلك النزل في "أمهيرست" قائماً بينما يطارد الشعب الأميركي تماثيل رموز العبودية والإبادة وتجار الرقيق.فيما بعد سأكتب نصاً قصيراً حول تلك الليلة في منزل اللورد الدموي والنوم في غرفته، اللورد الذي كتب في إحدى رسائله للعقيد "هنري بوكيه" العام 1763:"حسناً تفعل أن تجرب أن تطعـِّم الهنود عن طريق البطاطين، وكذلك أن تجرب كل طريقة أخرى ممكنة لإبعاد هذا العرق المقيت. سأكون في غاية السعادة لو نجحت خطتك لصيدهم بالكلاب، ولكن إنكلترة تبعد عنا مسافة هائلة لكي نجلب كلاب الصيد من هناك".
نزل في أمهيرست
في الغرفة الواسعة، في الطابق الثاني من نزل "اللورد جيفري"
أنصت إلى همهمات الهنود الخمسة، الذين نبعوا من الجدار، وإشاراتهم المقتضبة،
وأتتبع أزهار الكرز التي علقت بهم من تخوم النهر،
وهم يتجولون في الغرف ويصعدون الأدراج وينبشون مخازن التموين والمدفأة في الطابق الأرضي،
وحقائب الضباط وديباجات رسائلهم في القبو المهجور.
أزهار الكرز تطير في أثرهم وتواصل انهمارها من الجدران والسقف وتصعد من القبو
وتغطي الأدراج والجواميس المحنطة والمقعد أمام المدفأة،
بينما يتلفعون بالأغطية المريضة ويواصلون السؤال
عن اللورد ومساعده "هنري" اللذين ماتا منذ زمن طويل.