الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة

الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة

الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة

 لبنان اليوم -

الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة

بقلم - القاضي ناصر عمران

تشكل الشائعة ضغطاً اجتماعيا مجهول المصدر يحيطه الغموض والإبهام، وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام، ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات، وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار وتستهدف القناعات الراهنة للرأي العام والمستقرة في ذهنية المتلقي بغية التهيئة لغايات معينة، يتوقف سريانها كما يرى عالم النفس (مونتغمري بلجيون) على الشك والغموض في الخبر أو الحدث، فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال للشائعة.

وتتعامل السياسات الجنائية مع السلوك المجرم بكافة التدابير والإجراءات المستخدمة بما في ذلك الوقاية والمنع والتجريم والعقاب، واستجابة لمتطلبات التجريم والعقاب ولما تحدثه الشائعات من تأثير كبير في الرأي العام وانعكاساته على المجتمع والسلم الأهلي فقد جرم القانون الشائعات الكاذبة.

والشائعة: هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها. ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع والباحثين وتفتقر هذه الشائعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار.

وقد تعامل القضاء تطبيقا مع مرتكبي جرائم الشائعات بكل حزم نظرا لصرامة النصوص المجرمة والتي يرجع في أسباب تشريعها إلى عنصرين أساسيين : التأثير السلبي للشائعة على الرأي العام و تجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون.

وتؤسس الشائعة ركنها المادي المكون للجريمة على عنصري (الخطر والضرر ) والعلاقة السببية التي تجمعهما لتكوين النتيجة الضارة يرافق ذلك قصد جرمي لدى الفاعل  المروج للشائعة مفاده الإدراك والعلم بما يقوم به.

وبالاطلاع على النصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 المعدل المتعلقة بجريمة بث الشائعات الكاذبة باعتبارها من الجرائم الخطرة الماسة بأمن البلد نرى بانها حددت الشائعة المغرضة في زمن الحرب حيث نصت المادة 179_1(يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين من أذاع عمدا في زمن الحرب أخبارا أو بيانات او شائعات كاذبة او مغرضة أو عمد إلى دعاية مثيرة و كان من شأن ذلك الحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الروح المعنوية في الأمة).

ونصت الفقرة الثانية على أن تكون العقوبة السجن المؤقت اذا ارتكب الجريمة بنتيجة الاتصال مع دولة أجنبية فإذا كانت هذه الدولة معادية كانت العقوبة السجن المؤبد، و في المادة 180 من قانون العقوبات العراقي ( يعاقب بالحبس كل مواطن أذاع عمدا في الخارج أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للدولة و كان من شأن ذلك أضعاف الثقة المالية بالدولة أو النيل من مركزها الدولي أو باشر بأية  طريقة كانت نشاطا من شأنه الإضرار بالمصالح الوطنية، و تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات اذا وقعت الجريمة زمن الحرب )، كذلك المادة (304) من قانون العقوبات والتي جاءت تحت عنوان الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة فنصت على ما يلي : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شان ذلك إحداث هبوط في أوراق النقد الوطني أو أضعاف الثقة في نقد الدولة أو سنداتها أو أية سندات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني أو الثقة المالية العامة).

والشائعات المجرمة ترتبط بتكديرها الرأي العام واعتدائها على الأمن العام للدولة وزعزعة الثقة بها وبمصالحها الحيوية التي تشكل مرتكزاتها الداعمة وأهمها الاقتصاد والعملة والأمن الداخلي. ويتداخل كثيرا مفهوم الشائعات الكاذبة مع جرائم القذف التي تقوم على إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية وكانت الواقعة غير صحيحة وهو ما نجده تطبيقاً في الشكاوى التي تقام على الغير الذي يرتكب الجريمة بواسطة شبكة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة ضد الأشخاص الذين يتولون مناصب في الحكومة أو الدولة أو أشخاص معروفين كالفنانين والأدباء ورجال الدين وغيرهم والحاجة ملحة لوجود تشريعات ضابطة للسلوك المرتكب بواسطة وسائل الاتصال الحديثة ومواكبة التطورات التقنية في عالم الاتصالات ومشروع جرائم المعلوماتية إحدى التشريعات المهمة لردع السلوك المجرم والترويج للأخبار والشائعات الكاذبة و ما أكثرها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة الحماية الجنائية للرأي العام من الشائعات الكاذبة



GMT 06:57 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس النواب وتحد مقبل

GMT 05:56 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أزمة اليمن التعيس!

GMT 06:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

شرم.. الشباب يتكلم والعالم يستمع

GMT 08:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

التبليغ القضائي ودوره في حسم الدعوى المدنية

GMT 23:20 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ليسوا إلا خونة يدعون الشرف.

إطلالات الملكة رانيا في المناسبات الوطنية تجمع بين الأناقة والتراث

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 13:25 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

طرق لإضافة اللون الأزرق لديكور غرفة النوم

GMT 15:59 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل أولمبياد طوكيو يكلف اليابان 2 مليار دولار

GMT 14:58 2021 الثلاثاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

هيفاء وهبي تضج أنوثة بملابس كاجوال ناعمة

GMT 10:26 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

قيود لحماية المراهقين على تطبيق "فيسبوك" و"إنستغرام

GMT 05:28 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

نسرين طافش تَسحر القلوب بإطلالة صيفية

GMT 17:42 2022 الأحد ,23 كانون الثاني / يناير

3 فنادق فخمة في روسيا من فئة الخمس نجوم

GMT 07:33 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

ابتكار إطارات ذكية تقرأ مشاكل الطريق وتحذر

GMT 15:41 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

أحذية مسطحة عصرية وأنيقة موضة هذا الموسم

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 08:42 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

اتجاهات الموضة في الأحذية لربيع عام 2022

GMT 05:00 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

تصاميم في الديكور تجلب الطاقة السلبية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon