حين يُزهرُ الخريف

حين يُزهرُ الخريف

حين يُزهرُ الخريف

 لبنان اليوم -

حين يُزهرُ الخريف

بقلم : الدكتورة لانا مامكغ

وضعت أمامَ ضيفتها صينيّةً عليها كوبان من الشّاي بالنعناع، وحبّات من الكعك المحلّى، ثمّ جلست قربَها وهي تئنّ من ألم ركبتيها، فردّت عليها الضّيفةُ بشكوى مماثلة عن أوجاع المفاصل وصعوبة الحركة، لتمدَّ يدها في حقيبتها وتُخرج علبةَ دواء، مقترحةً عليها استخدامَه لأنَّها جرّبته واستفادت منه أخيرًا. وقالت المُضيفة بحسرة: "والله يا أختي حالنا واحد، العمر له أحكام، ولا يُصلحُ العطّارُ ما أفسدَه الدّهر"،  ثمّ أردفَت مبتسمةً: "صحيح، مبارك تخرّج حفيدك، ربّي يوفقه"، وفي حين مضت تُحدّثها عن أحفادِها هي، سمعتا صوت عُكازِه يقتربُ من الباب، ليقفَ عند البابِ بظهرِه المنحني ويقول: "يا هلا بجارتنا، يا مرحبًا، كيف حالك؟ والله نوّرتينا".

فرفعت الضّيفةُ منديلها لتغطّي به نصفَ وجهِها وهي تردُّ بحياء: "بيتك عامر بالخير يا جارَ الرّضى، كيف صحتك؟". وبدا أنّه لم يسمع ما قالت، فبقي واقفًا في مكانه إلى أن سألته زوجتُه عن السّبب الذي أبقاه في البيت ولم يذهب كعادته كلّ يوم للعب الطّاولة مع الرّفاق، فأجاب أنَّها برودةُ الجوّ، وخشيتُه من عودةِ السّعال له، ثمَّ تحرّكَ ببطء نحو الفناء ليتّخذَ هناك مقعدَه المعتاد. ومرَّ وقتٌ ما إلى أن سمعَ أصوات السّيدتين وهما تخرجان لمّا قرّرت الضّيفة المغادرة، فاقتربتا إلى حيث يجلس وكلٌ منهما تتّكىء على ذراعِ الأخرى وتتضاحكان، فنهضَ مستنداً على مِقبضِ عُكّازهِ بيديه الاثنتين ليقول: "شرّفتينا، زورينا دائمًا، هذا بيتكِ الصّغير".

وردّت عليه الضّيفةُ بعبارة لبقة، ثمَّ وقفت عند صفٍّ من أواني الزّرع الصّغيرة المصفوفة بانتظام على جانبيْ المدخل، لتقولَ بدهشة: "ما شاءَ الله، ما أحلاها، غريب، كيف أزهرت ونحن في الخريف؟"، فردّت عليها المُضيفةُ بزهو: "النّبتة نفسها اسمها غريب، يعني اسم على مسمّى، سبحان الله". وهنا تفاجأت به المرأتان ينحني ليحملَ إحدى الأصص ويقدّمها للضّيفة بيدٍ مرتجفة وهو يقول: "تفضّلي، إذا بدت ثقيلة عليك سأوصلها أنا لبيتكم"، فتناولتها السّيدة بفرح وهي تشكرُه بحرارة وغادرت.

اقتربت منه زوجتُه وهي تقولُ بغضبٍ مكتوم: "حسب قولك الدّنيا برد، طيّب كيف احتملت الجلوس هنا طوال الوقت؟ والله غريب، تخرج كلّ مساء وفجأة تقرّرُ اليومَ تحديداً البقاء في البيتِ"، ولم يُعلّق فأضافت بنبرةٍ ساخرة: "وما حكاية زورينا دائمًا، وكمان ناوي توصّل الزّريعة لبيتها بنفسك، والله عال، شو قصّتك بالضّبط؟"، ثمَّ دخلت وهي تُغمغم بكلامٍ غير مفهوم، وسمعَ أصوات أبوابٍ تُصفق، وقرقعة طناجر من المطبخ، ثمَّ عادت تسأله باستنكار: "عمرك ما سلّمت على جاراتي وضيفاتي، اليوم وقفت ساعة عند الباب، شو قصّتك؟"، ولم يردّ، بل ظلَّ ساهمًا وهكذا إلى أن حضرَ أحدُ الأبناء، لتستمرَّ في حديثها الغاضب كأنَّما لم ترَه، حاول التّدخّل فلم تنفع محاولاتُه في تهدئتها.

ثمَّ وجدَ نفسَه ينزوي في إحدى الغرف ليجري اتّصالاً عاجلاً مع أخيه الكبير، فيقول: "أرجوك احضر حالاً، في مشكلة عند الحاجّة مش فاهمها، تتّهم والدَنا بالخيانة يا رجل، تعال أرجوك، بتحكي كلام عن كرامتها المجروحة، وأشياء عن الانفصال".

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين يُزهرُ الخريف حين يُزهرُ الخريف



GMT 20:41 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 20:50 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 09:10 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 10:58 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

وذهب.. سوار الذهب!!

GMT 12:24 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

"عقار جودة" وتسريب الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنين

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 20:45 2023 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 11 أبريل / نيسان 2023

GMT 17:08 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

ربيع سفياني يكشف أسباب تألقه مع التعاون

GMT 19:29 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

نائب رئيس الشباب أحمد العقيل يستقيل من منصبه

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 22:12 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجدي الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:14 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف

GMT 03:49 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

"Dior" تجمع عاشقات الموضة في حفل سحور بدبي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon