الخيار الصعب الاستبداد أو الإرهاب

الخيار الصعب.. الاستبداد أو الإرهاب!

الخيار الصعب.. الاستبداد أو الإرهاب!

 لبنان اليوم -

الخيار الصعب الاستبداد أو الإرهاب

مصطفى الفقي

هل كُتِبَ على الدول المتخلفة سياسيًا أن تخضع لدورة شريرة تتأرجح فيها بين «الاستبداد» و«الإرهاب»؟ لقد سقطت ديكتاتورية «صدام» فضرب «الإرهاب» «العراق» من كل اتجاه، وسقطت ديكتاتورية «القذافى» فضرب «الإرهاب» «ليبيا» أيضًا، وحاول السوريون الإطاحة بنظام حكم عائلة «الأسد» فاستبدلوا بهم إرهابًا من نوع خبيث، وعندما قامت «ثورات الربيع العربى» تصور الجميع أنهم يتخلصون من قبضة الفساد والاستبداد فى وقت واحد ولكن معظم تلك الدول التى تخلصت من قبضة حكم «بوليسى» تعرضت هى الأخرى لموجات إرهابية تحاول تقويض استقرارها وتسعى لأن تعصف بأمن شعوبها، وكأنما هو قدرنا إما أن نقبل بالاستبداد أو ننتظر «الإرهاب»، وأنا ما زلت أتذكر حوارًا ثريًا بينى وبين النائب اليسارى الناصرى المخضرم «كمال أحمد» عندما كنا زملاء فى «مجلس الشعب» الأسبق وسافرنا معًا ضمن وفد برلمانى، أتذكر أن الرجل قال لى بحكمته وثقافته (إننا نعيش فى إطار دائرة محكمة ننتقل فيها من الاستعمار إلى الاستبداد)، وها أنا اليوم أراجع ما قاله ذلك السياسى الحصيف ولكن استبدل بالاستعمار «الإرهاب» بصوره وأشكاله المختلفة، إن الحكام الذين أزيحوا من مقاعدهم يذكرنى معظمهم بـ«حراس الملاهى» فإما أن يقبل العاملون والعاملات سطوتهم أو يكون البديل عدوانا من خارج المكان عندما يكتشف الآخرون أن البلطجى الكبير قد اختفى فأصبح من حق آلاف البلطجية الصغار أن يتسللوا فى العمق يخيفون المجتمعات ويروعون الناس، لذلك فإن القضية تدور حول هذه المعضلة الكبيرة أو المعادلة الصعبة والتى لا يكون لها حل إلا بالتنمية والديمقراطية فى وقت واحد والفكاك من سطوة الفساد المستبد والقهر الدائم، معتمدين فى هذه الحالة على مناخ جديد لا يصنعه إلا التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية لأنه يأتى نتيجة وعى مختلف ورؤية جديدة وإيمان بفلسفة التطور وروح العصر، ولعلنا نطرح هنا محاور ثلاثة يدور حولها مفهومنا للخلاص من الدائرة المغلقة والحلقة الشريرة نطرحها فيما يلى:

أولًا: إن «الفقر» قنبلة موقوتة، كما أنه لا حرية مع العوز، ولا ديمقراطية مع الحاجة، لذلك فإن الأخذ بالشعوب على طريق التنمية ورفع مستويات المعيشة من لزوميات الخلاص مما نواجه سلبيًا فى هذه المنطقة من العالم، إذ إن الحرية السياسية مرتبطة بالحرية الاقتصادية فمن لا يملك قوت يومه لا يملك القرار فى غده، لذلك فإن الإصلاح الاقتصادى يمثل مدخلًا طبيعيًا للتخلص من المعاناة التى نعيشها والأزمات التى تحيط بنا، كذلك فإن التفاوت الطبقى الكبير وغياب العدالة الاجتماعية عاملان يؤديان إلى تدمير تماسك المجتمعات ويعصفان بوحدة الشعوب، وقد يقول قائل ولكن هناك ديكتاتوريات تحكم دولًا ثرية ونظمًا تسلطية تقود بلادًا فيها من مصادر الثروة الطبيعية والبشرية ما يمكن أن يجعل الحياة فيها رخاءً سخاءً آمنة، وهنا يكون الرد المباشر أن ذلك لا يتحقق فى النهاية إلا بمناخ سياسى سوى وإحساس مشترك بالمسؤولية بين من يملكون أكثر مما يحتاجون وبين من لا يملكون ما يحتاجون.

ثانيًا: إن «الديكتاتورية» ليست بالضرورة عسكرية أو طبقية أو عشائرية، ولكنها يمكن أن تكون «ديكتاتورية دينية» ولقد شهدنا نماذج لذلك فى عدد من الأقطار العربية بعد «ثورات الربيع العربى» وقبلها، فالدولة الدينية هى تعبير عن مصالح سياسية يجرى فيها استخدام الدين وتوظيف تأثيره لخداع العامة وبسطاء الناس بحيث تتحول الدعوة الروحية السمحاء إلى مخدر مزمن يسلب الناس عقولهم، والعجيب أن ذلك يأتى حاليًا فى ظل «الإسلام» الحنيف وهو دين العقل قبل النقل لأنه هو «الإسلام» الذى جعل التفكير فريضة واعتبر أن ما تتوافق حوله الأمة هو تعبير عن المصلحة العامة واستجابة للضرورة لأن الناس فى كل زمان ومكان «أعلم بدنياهم».

ثالثًا: إن «الإرهاب» داء العصر وهو مرض لعين عرفته البشرية فى مراحل مختلفة من تطورها، وهو يحاول اقتلاع الجذور وتقويض الأعمدة وضرب مسيرة الإنسان بأسلوب عشوائى همجى لا يعبر عن دين ولا ينتسب لأمة، لذلك فإن «الإرهاب» ليس جديدًا على الإنسانية ولكن ضعف المجتمعات ونقص المناعة السياسية والثقافية هما مكون رئيس يتسلل به الإرهاب إلى صفوف الآمنين، لذلك فإننا نظن أن الحل فى التعليم فى المقام الأول ثم الثقافة المكملة له ومعهما مناخ إعلامى وطنى وشريف ومتوازن، مدعومين برجال دين يفهمون صحيحه ودعاة يتقون الله فيما يقولون خصوصًا فى بلاد ينهشها الفقر، وتعبث بها الأمية، وتنخر فى عظامها الخرافة ومعاداة العلم وإنكار الحقيقة.

إن الأمة العربية بل الشعوب الإسلامية تمر بمنعطف خطير، يسعى فيه التطرف إلى استخدام العنف فى محاولة لإرهاب الشعوب وتخويف الناس فإما أن يقتلوهم وإما أن يحكموهم! لذلك فإن البحث العلمى والتقدم التكنولوجى والقضاء على البطالة وفتح النوافذ لاستثمارات جديدة هى كلها عوامل تؤدى إلى ضخ الثقة عند الشباب وتجديد الأمل لديهم فى مستقبل أفضل وحياة مستقرة بعد طول معاناة فى أهوال المعيشة اليومية ومشكلاتها الطاحنة، إننا نقول إن هناك طريقًا ثالثًا لا هو تحكم ديكتاتورى ولا «إرهاب»، إن هذا الطريق الثالث هو الذى يجب أن نسلكه للوصول إلى غاياتنا مهما كانت المصاعب والمتاعب والتحديات.

.. لا للإرهاب ولا للاستبداد فسوف نفتح الدائرة المغلقة ونكسر الحلقة الشريرة لأن ذلك هو الأسلوب الوحيد الذى لا بديل عنه!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيار الصعب الاستبداد أو الإرهاب الخيار الصعب الاستبداد أو الإرهاب



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon