جريمة أم حق مشروع

جريمة أم حق مشروع؟

جريمة أم حق مشروع؟

 لبنان اليوم -

جريمة أم حق مشروع

بقلم:أسامة غريب

لو أن طفلا تم صفعه على وجهه فى الشارع داخل مدينة أوروبية لارتجت المدينة بأكملها. حدث كهذا لو وقع على مرأى من الناس الذين يمرون بالطريق فإنه كفيل بصدمهم وترويعهم وجعل الدم يغلى فى عروقهم، ورد الفعل التلقائى عليه هو المسارعة بالاتصال بالبوليس مع محاصرة الفاعل حتى تحضر السلطة المختصة. سوف يفعلون هذا حتى وهم يعلمون أن الفاعل الذى صفع الطفل هو أبوه، وسوف يعتبرون ما حدث جريمة فى حق الطفل وانتهاكاً لحقوقه فى الرعاية والمعاملة الحسنة.

نفس هذه الحادثة لو وقعت فى القاهرة أو بغداد أو الرياض أو طنجة فإن الناس ستمضى فى طريقها دون أن تعتبر ما شاهدته حدثاً يستحق الانتباه أو اتخاذ إجراء حياله.. بعضهم فقط قد يستوضح الأمر وعندما يتأكد أن الذى يضرب الطفل هو أبوه فإنه سيكمل طريقه مطمئناً إلى أن الأمور كلها بخير، فتربية الرجل لولده هى حق مشروع وواجب على ولى الأمر.. وفى حالات نادرة قد ينصح الناس الأب بأن يضربه «بالراحة»!.. لكن لا يخطر فى بالهم أبداً أن ما شاهدوه يشكل جريمة. أما لو كان الشخص المضروب امرأة فإن رد الفعل لن يعدو: هذه الفضائح فى الشارع لا تصح.. خذها البيت وتصرف معها كما تشاء!.. إذ إنهم يرون أن تأديب الرجل لزوجته ضرورة لاستقامة الحياة. ولقد كنت شاهداً على أكثر من حالة تم فيها انتزاع الطفل من أهله لأن ضربهم له تكرر فى الشارع أو فى البيت على مسمع من الجيران. يحدث هذا فى الغرب، بينما فى بلاد العرب تتم تبرئة بعض من قتلوا أبناءهم بواسطة القضاء الشرعى باعتبار أنك أنت ومالك لأبيك!.

الفرق بين ردة فعل الناس إزاء الحدث فى لندن ومثيله فى مدينة عربية هو ما يمكن تسميته بالقيم التى يحملها الإنسان ويمضى بها فى الحياة. ليست كل القيم التى يعتنقها الغرب رائعة أو مقبولة لدينا، لكن إجمالاً يمكن القول إن معاييرهم أرقى وأقرب للإنسانية، ونحن فى الحقيقة ندين لهم بإلغاء الرق وبيع البشر وإلغاء عقوبات مثل الجلد والإعدام على الخازوق. ويمكن القول إن الإنجليز الذين احتلوا مصر وغيرها كانت لهم معايير فى الحياة أصلحت دون قصد بعض آثار التخلف الموروث عن المماليك والعثمانيين، ورغم علو هذه المعايير فإنهم لم يكونوا راغبين فى الإصلاح فى المستعمرات إلا بالقدر الذى يخدم مصالحهم، أما بعد ١٩٥٢ فإن عبد الناصر ورفاقه كانوا راغبين بشدة فى الإصلاح لكن أعاقتهم طبيعتهم الشخصية وما يحملونه من معايير من ضمنها نظرتهم المستريبة لقيم الحرية والعدل، واستهانتهم بحقوق الإنسان ودورها فى بناء الأمم، وتصورهم أن الفقير إذا منحته شيئاً من حقوقه فإنه ينبغى أن يسبّح بحمدك ولا يفتح فمه أو يبدى رأيه فى شؤون حياته.
لا يمكن أن يتم الإصلاح على يد من يعتقدون أن ضرب الولد والزوجة ضرورى لاستقامة الحياة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة أم حق مشروع جريمة أم حق مشروع



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon