تعاسة المطحون والأنتيخ

تعاسة المطحون والأنتيخ

تعاسة المطحون والأنتيخ

 لبنان اليوم -

تعاسة المطحون والأنتيخ

بقلم:أسامة غريب

بسبب شُح الحياة وسوء البخت الذى رآه الناس فى بلادنا ملازما لهم، وبسبب صعوبة الحصول على أساسيات الحياة من مسكن ومأكل وملبس وتعليم وعلاج فإن هناك من يتصورون أن الإنسان يحتاج فقط الى إشباع حاجاته الأساسية ثم لتذهب الحرية إلى الجحيم. وهم حين ينظرون إلى البلاد المجاورة يظنون أن الإنسان المولود فى بلد غنى حيث الغذاء الوفير والسلع الاستهلاكية ورحلات الشتاء والصيف إلى لندن وباريس وبانجكوك هو إنسان محظوظ لا يحتاج إلى تعاطى السياسة والكلام فيها إلا من باب الوجاهة وإزجاء الوقت، كما لا يحتاج فعلياً إلى الديمقراطية التى تعنى المشاركة والشفافية والمحاسبة، إذ ما حاجته إلى الشفافية ما دام المال يكفى وزيادة، فتأخذ الطبقة الحاكمة نصيبها، وما يتبقى يفيض على الناس ويجعلهم لا يشغلون بالهم بالقضايا التى تشغل البشر فى بلاد العالم الثالث وبعض بلاد العالمين الثانى والأول.

نفس هذا المنطق هو الذى يساهم فى دهشة الذين يسافرون للعمل بالبلاد العربية عندما يرون أن العمالة الأجنبية هى التى تقوم بكل الشغل تقريباً، مع علمهم بأن المواطنين فى بلاد العالم الأول مثل إنجلترا وسويسرا والسويد وكندا وهولندا، أى البلاد التى وصلت لأرقى درجات التقدم والرفاهية والديمقراطية والوفرة لا يستنكف الناس بها القيام بكل الأعمال بأنفسهم حتى جمع القمامة وتسليك المجارى وتوصيل الطلبات للمنازل، ويثور بشأن سكان العالم الغربى سؤال: ألا يستطيع هؤلاء الناس بدخولهم المرتفعة ونفوذ بلادهم الدولى أن يستوردوا سريلانكيين وأحباشا يقومون لهم بكل العمل، فيقصّون لهم حشيش الحديقة ويطهون لهم الطعام ويقودون لهم السيارات ويقومون بتربية الأطفال بينما يجلسون هم أمام التلفاز يقزقزون الفزدق واللوز ويستمتعون بوقت الفراغ؟. وهنا يظهر بوضوح أن نمط حياة الترف والأنتخة ببعض بلاد عرب النفط قد أصبح يداعب خيال الناس فى بلاد عرب الماء لدرجة أنهم يندهشون إذا رأوا الناس فى بلاد الغرب المتقدمة يشتغلون ويقومون بكل الأعمال بأنفسهم، ويظنون هذا من ضروب البلاهة لأناس يحتلون فعلياً كل بلاد العالم الثالث ويسيطرون على القرار بها!.

من الواضح أن للمأساة فى بلادنا وجوهاً عديدة على رأسها الافتقاد إلى الحرية التى لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها، لهذا فإن الفقر مع غياب الحرية يصنع الإنسان الذليل الناقم، كما أن الغنى والترف مع غياب الحرية يصنع الإنسان الخامل الأنتيخ. ويبدو أن الناس فى بلادنا تعساء بصرف النظر عن الفقر والغنى، ذلك لأن لكل منهم سيدا، وكل واحد يرتعد من سيده ويرجو رضاه بأكثر مما يرجو رضا الله. ويمكن أن نقول إن العرب إجمالاً يفتقدون لأسس الحياة الطبيعية، وقد أظهرت الاستبيانات والاستقصاءات الحقيقية أن الشعوب العربية تأتى فى طليعة الشعوب غير السعيدة، ومع ذلك فإن التعاسة نسبية، وبعض التعساء يتمنون لوناً من التعاسة لا يطالونه، بينما ينعم به تعساء آخرون!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعاسة المطحون والأنتيخ تعاسة المطحون والأنتيخ



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon