نجحت الثورة وأخفق الثوار

نجحت الثورة وأخفق الثوار

نجحت الثورة وأخفق الثوار

 لبنان اليوم -

نجحت الثورة وأخفق الثوار

معتز بالله عبد الفتاح

فى جلسة مع أصدقائى الثوار العقلاء، وليس الثورجية ممن يرون أن نضحى بمصر حتى تنجح الثورة، حدث تقييم لما آلت له الأمور فى مصر. وذكرنى أحدهم بمقالى الذى أعيد نشره بتصرف فى هذا المقال لأنه كان مقالاً يهدف إلى أن «يتواضع الثوار» وألا يظنوا أن إرادة الله متمثلة فى إرادتهم. قلت آنذاك: العقل البشرى لديه قدرة هائلة على خداع النفس، ومن تخدعه نفسه يكون قادراً على خداع الآخرين لأنه يظن فى نفسه الصدق، ويتصرف بدافع من يقينه بأنه صاحب قضية عادلة. ولكن حين يصل إلى النتيجة النهائية التى قال بها «السامرى» بعد أن تركه سيدنا موسى عليه السلام لمناجاة ربه، فلما عاد سأله: «قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِىُّ» فرد السامرى الذى كان قد صنع عجلاً ليعبده بنو إسرائيل قائلاً: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى).

وقد جاء شاب محدود القدرات ولا يخلو من غطرسة إلى وينستون تشرشل، وقد كان رئيساً لحزب المحافظين، فوجه له انتقادات حادة وأعلن بوضوح أنه قرر أن يصبح فى يوم من الأيام رئيساً لوزراء بريطانيا، فسأله «تشرشل» عدة أسئلة أثبتت بتفصيلاتها أن الشاب يجيد القدرة على الحلم وانتقاد الآخرين ولا يجيد القدرة على العمل وانتقاد الذات، فقال «تشرشل» مقولة شائعة فى السخرية من محدودى الموهبة، رغماً عن أن الكثيرين لا يعلمون أصلها، وهو «إنه شاب متواضع، ولديه الكثير من الأسباب لكى يكون أكثر تواضعاً».

ودلالة القصتين تأتى من تحليل طرق عمل العقل البشرى وكيف أن العقل يمكن أن يشقى صاحبه حين لا يعرف قدر نفسه فتكون الفجوة هائلة بين طموحه (وربما طمعه) وإمكاناته (وربما ما يتصورها إمكاناته). ولكن هذه الفجوة نفسها لها درجات، وهى فى أكثر درجاتها اتساعاً تجعل الإنسان يظن فى نفسه أنه المهدى المنتظر مثلاً، بل إن الحروب المهدية فى السودان فى ثمانينات القرن التاسع عشر نفسها بدأت بحلم الشيخ محمد أحمد الذى ظن فى نفسه المهدى. والحلم، أو الرؤيا، التى جاءته فى المنام، على ما يقول المؤرخون، إنه سيكون المهدى المنتظر الذى سيملأ الكون عدلاً وخيراً بدءاً من «البقعة المباركة» كما كان يصفها وهى «أم درمان».

وفجأة صعدت روحه إلى السماء بعد أربعة أعوام فقط من «الحلم» وسط دهشة أنصاره المجاهدين وعامتهم من الذين ينتظرون إتمام بقية الحلم المهدوى: صلاته فى مكة والقدس وإسطنبول، وأن يملكوا الدنيا ويخضعوا جميع الأمم ويشيع «المهدى» العدل ويحثو المال حثواً ويقيم الدين الحق بأن يعيد الدنيا إلى الآخرة كما بشرته الحضرة. ومات الرجل، وظل الحلم حلماً.

هل نخطئ حين نحلم ونتمنى؟ الإجابة يقينا: لا. ولكن من الملاحظ أن قدرة البعض على الحلم تكون أعلى من قدرتهم على الفعل؛ لذا فلنتأكد من أن أحلامنا ليست سبباً لشقائنا وشقاء المحيطين بنا ممن ننال من حقوقهم ونحن نظن أننا نحسن صنعاً، ولنجتهد أضعاف أحلامنا، ولنتقبل ضربات القدر بعقل وقلب المؤمن أن للكون خالقاً هو صاحبه والمدبر لأمره والبشر ضيوفه وليسوا أصحاب بيت. يصادف فى نفسى هوى بعض الشعر الصوفى من قبيل: «يا ربنا ليس لنا من أمرنا إلا السكوت، يا ليتنا نرضى بما يعطى لنا حتى نموت، والمبتلى يا ذا العلى لا يبتغى إلا النجاة، فى يسرها وعسرها ملعونة تلك الحياة، نبينا إمامنا به نقتدى وبه نهتدى ورضاه من رضا الإله». وكذا قول أحد القساوسة: «نرضى بالمر الذى يختاره الله لنا أكثر من حبنا للحلو الذى نختاره بأنفسنا». وقال القرآن العظيم: «سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» وهذا حالنا بإذن الله.

أياً ما كان، فالتوازن مطلوب. ومن التوازن ألا نظن فى أى شخص يحسن الكلام أنه سيحسن بالضرورة النهوض بالتبعة، وألا يقع المرء فريسة سهلة لما يقوله الآخرون عنه سواء مدحاً أو قدحاً، فأغلب الناس إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين. ويضاف لكل ذلك ألا نسمح لأنفسنا بأن نجعل من وطننا رهينة لتحقيق طموحاتنا الشخصية.

إذن: «رحم الله امرأً عرف قدر نفسه» وإلا: «وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجحت الثورة وأخفق الثوار نجحت الثورة وأخفق الثوار



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon