عاجل من الفقراء إلى الحكومة

عاجل من الفقراء إلى الحكومة

عاجل من الفقراء إلى الحكومة

 لبنان اليوم -

عاجل من الفقراء إلى الحكومة

معتز بالله عبد الفتاح

كتب الأستاذ الدكتور مصطفى كامل السيد مقالاً هاماً بعنوان «الفقراء والسياسة» أقتبس منه، لأغراض المساحة، ما يلى:
يتردد بين كثيرين من المصريين القول إنه مع زيادة معدلات الفقر التى بدأت فى التصاعد قبل ثورة يناير 2011 واستمرت فى الارتفاع بعدها أن الخطر المقبل على مصر ليس ثورة جديدة سلمية تنادى بالحرية وإنما ثورة جياع لا ترفع مثل هذا الشعار وإنما تهاجم أحياء الموسرين من المصريين وتدمر فى طريقها كل مظاهر الرخاء. وباختصار، وفى رأى هؤلاء، الخطر المقبل هو تكرار سيناريو انتفاضة الخبز فى يناير 1977 ولكن على نطاق أوسع وأكثر تخريباً.
الواقع أنه ليس هناك دليل علمى على أن الفقر فى حد ذاته هو الذى يولد الثورات، فعلى سبيل المثال تعجّب النبيل الفرنسى الشهير ألكسى دى توكفيل من أن الثورة الفرنسية جاءت فى وقت كان فيه الفلاحون الفرنسيون قد تحرروا من أسوأ ممارسات الإقطاع فى الريف، وكانت الطبقة المتوسطة فى فرنسا قد دعمت ثرواتها فى مواجهة النبلاء الأرستقراطيين. بل ثار نفس التساؤل حول ثورة 1919 فى مصر التى شارك فيها الفلاحون فى الوجهين البحرى والقبلى وكانت الأوضاع الاقتصادية قد تحسنت فى الريف المصرى وخصوصاً بعد تخفيض الأعباء الضريبية على الفلاحين. ولهذه الشكوك فى أن الفقر فى حد ذاته لا يولد الثورات أسانيدها فى دراسة السلوك السياسى للفقراء. فهم عندما تسود الأمية بينهم لا يعرفون عن أمور السياسة الكثير، ولا يجدون وقتاً للاهتمام بها، وهم يفتقدون التنظيم الضرورى للتخطيط للثورة ولا تظهر بينهم هم القيادة التى تحفزهم للاشتراك فيها.
ومع غياب أى تحسن فى أوضاع الفقراء فإنهم لا يشعرون بالرضاء عن الأوضاع القائمة، ولا بشرعية النظام السياسى والاجتماعى، ويعبّرون عن عدم الرضاء بأساليب غير مباشرة منها هذا الانسحاب من الحياة السياسية عمداً، وعدم الاستجابة لما تدعو له الحكومة من سياسات، والاستهانة بقوانين الحكومة ولوائحها، والتماس السبل لمكافحة الفقر بأساليب فردية، منها مثلاً كثرة التغيب عن العمل الحكومى لو كان هؤلاء الفقراء من العاملين الحكوميين، أو الارتزاق من العمل الحكومى فى حد ذاته ليس فقط بقبول الرشوة ولكن بطلب الرشوة، وجعلها شرطاً لأداء وظيفتهم، وإذا كان العمل الحكومى لا يتضمن الاتصال بالجمهور فإن ممتلكات الدولة تصبح مجالاً مفتوحاً للارتزاق باستخدامها فى غير مقتضيات العمل أو بنهبها، ولذلك يشيع الفساد الصغير والكبير على أوسع نطاق، ولا ينبغى أن نُغفل فى هذا السياق أن مركز مصر فى تقارير منظمة الشفافية الدولية هو بين ثلث الدول الأقل شفافية، وبتعبير غير رقيق، فإنها تقع ضمن ثلث الدول الأكثر فساداً فى العالم، ولم يتحسن هذا الوضع بعد ثورة يناير 2011.
وإذا كانت احتمالات «ثورة الجياع» مستبعدة فى مصر فى الأوضاع الراهنة، فإن ذلك يجب ألا يصرف أنظار المجتمع والحكومة عن الآثار الخطيرة للفقر على المشاركة السياسية وتوجهاتها وعلى شرعية النظام السياسى وعلى السلام المجتمعى والسياسى. وأولى خطوات الاستجابة الصحيحة لهذا التحليل هى التخلى عن توهم أن خطوات ما يسمى «الإصلاح الاقتصادى» الذى لا شك فى ضرورته لن تلحق الضرر بالفقراء، خصوصاً أن هذه الآثار سوف تمتد لمدى السنوات الخمس المقبلة وفق برنامج الحكومة إذا ما التزمت به حكومات مقبلة مضطرة أو راضية. خفض عجز الموازنة العامة ورفع الدعم عن الطاقة وإدارة المرافق العامة على أساس اقتصادى كلها سيدفع ثمنها الفقراء، ولذلك ستستمر الآثار السلبية السياسية للفقر.
وإذا تخلت الحكومة عن هذا التوهم فسيكون عليها أن تنظر فى التجارب الدولية التى توجهت لمكافحة الفقر مباشرة وليس بانتظار تساقط ثمار النمو على الفقراء، وتكون البداية هى التعلم من التجارب الناجحة فى البرازيل والمكسيك، وبالاستماع لفقراء مصر لأنهم مواطنون لهم رؤيتهم الصحيحة لحاجاتهم والسياسات المطلوبة للوفاء بهذه الحاجات.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل من الفقراء إلى الحكومة عاجل من الفقراء إلى الحكومة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon