الكويت والحاجة إلى الابتكار

الكويت والحاجة إلى الابتكار

الكويت والحاجة إلى الابتكار

 لبنان اليوم -

الكويت والحاجة إلى الابتكار

وليد شقير
من يراقب ما يجري في عدد من دول الربيع العربي، لا سيما في مصر وتونس وليبيا واليمن من صراعات، ينتابه شعور مزدوج من القلق والاعتراف بقدرة الحراك الشعبي على التصحيح والاستنفار لمراقبة الحكام الجدد في المرحلة الانتقالية. لا مفر من المرور بسنوات من المخاض العسير قبل أن ترسو كل من هذه الدول على معادلات تلائم التطورات الاجتماعية والسياسية التي أفضت إلى الانتفاضات. ومن راقب انتخابات دولة الكويت، وما سبقها ورافقها من احتجاج ومقاطعة من المعارضة وما تبعها من طلب الأخيرة حل البرلمان الجديد الذي تغلب عليه الموالاة، يقلق على استقرار المعادلة السياسية في البلد الذي كان سباقاً في اجتراح صيغة ديموقراطية في منطقة الخليج-، لأن لغة من التحدي تسود المشهد السياسي الذي أعقب عملية الاقتراع التي جرت السبت الماضي في ثاني انتخابات في غضون أقل من 10 أشهر بعد حل البرلمان بحجة أن المعارضة التي تمتعت بأكثرية واضحة في انتخابات شباط (فبراير) الماضي، كانت تعيق مشاريع الحكومة التنموية بأساليب خرجت عن المألوف في التخاطب والعمل السياسيين. وإذا كانت مقاربة الحراك الكويتي من منظار الربيع العربي غير واقعية، لأن السواد الأعظم في المجتمع الكويتي يتمتع برخاء اجتماعي بفضل التقديمات الاجتماعية الفريدة من الدولة الكويتية لجهة مجانية التعليم حتى المرحلة الجامعية والتطبيب والاستشفاء ودعم السلع الغذائية وسائر الخدمات... فإن هذه مدعاة للبحث عن أسباب هذا الحراك المعارض الذي جعل الاستقرار السياسي مهزوزاً منذ عام 2006 في شكل أوجب حل البرلمان 5 مرات. تقتضي الموضوعية القول إن الرخاء الذي شهدته الكويت وساهم فيه انفتاح الأسرة الحاكمة وميلها إلى إفادة الأجيال من الثروة التي تنعم بها الدولة الصغيرة على مدى عقود، أنتج طبقة من المتعلمين والمثقفين والكفاءات من الفئات التي كانت مهمشة، فانخرطت في الإدارة والقطاع الخاص والعمل العام والسياسي، وأن هذه الفئات الصاعدة التي تتكئ على قوى قبلية وجهوية أو اتجاهات سياسية أو مذهبية، أخذت تبحث عن المشاركة في المعادلة الحاكمة. وهو تطور طبيعي في مجتمع حقق قفزات نوعية أتاحها التنوع المتعدد الأوجه فيه، ويفرز قوى معارضة وتجديداً في المشهد السياسي. وتقتضي الموضوعية أيضاً الاستنتاج، في ما يخص انتخابات السبت الماضي ومقاطعة المعارضة لها احتجاجاً على قانونها الذي تضمنه مرسوم «الضرورة» الذي أصدره الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح باعتماد الصوت الواحد لمرشح واحد بدل التصويت لأربعة مرشحين، أن كلاً من الموالاة والمعارضة حقق نتائج سياسية من وراء تلك المنازلة بينهما. فالأولى استطاعت تأمين نسبة 40 في المئة من الاقتراع على رغم المقاطعة، أي ما يفوق نصف النسبة التي اقترعت في شباط الماضي (بلغت أكثر من 58 في المئة) التي حصدت من خلالها المعارضة أكثرية البرلمان المنحل. وهذا يعني أن نسبة المقترعين هي زهاء ثلثي مقترعي انتخابات شباط، ويعني أيضاً أن عدداً لا بأس به من هؤلاء امتنع عن تلبية دعوة المقاطعين. وتفسير إعراض جزء ممن امتنعوا عن التجاوب مع المقاطعة على رغم أنهم رجّحوا كفة المعارضة في الاستحقاق السابق، هو أن بعض الجمهور الكويتي الذي يميل إلى بعض أطروحات المعارضين انفك عنهم نتيجة ما يسميه «اللسان الفالت» عند بعض رموز المعارضة وخرقه سقف التخاطب فوق ما يحتمله الإجماع الكويتي حول الأمير والأسرة الحاكمة. وهو ما استنفر جزءاً لا بأس به من الكويتيين للإقبال على صناديق الاقتراع. أما الثانية، أي المعارضة، فبإمكانها القول، بالحد الأدنى، إنها أوصلت الرسالة إلى السلطة بأنها تمكنت من تعبئة ثلث مقترعي الدورة الماضية وهي نسبة لا بأس بها تشير إلى أن شريحة شعبية واسعة تتضامن معها، على رغم تشكيكها بالأرقام الرسمية لنسبة الاقتراع. يطرح الاستنتاجان تحدياً على كل من الفريقين مع إعادة تكليف الشيخ جابر المبارك الذي يتصف بالاستعداد للانفتاح على المعارضين، تشكيل الحكومة الجديدة. التحدي على الحكومة أن تستوعب الشريحة المقاطعة لأن تجاهلها سيزيد من نسبتها وتوالد احتجاجاتها، بينما التفاعل معها قد يسمح بتهدئة الصراع السياسي. وفي عملية تشكيل الحكومة المستقيلة العام الماضي ما يسمح بتوجه من هذا النوع، إذ أن السلطة عرضت توزير 5 أو 6 وزراء من المعارضين لكنهم أصروا على تسمية 9 وزراء (من أصل 15 ). أما التحدي على المعارضة فهو عقلنة خطابها السياسي وتحديد سقف برنامجها السياسي بين مكوناتها المتنوعة المشارب والاتجاهات والانتماءات القبلية، إضافة إلى تشذيب تحركاتها الشعبية، وهذا يتطلب شجاعة من قادتها وقدراً من الواقعية. تحتاج الكويت إلى ابتكار صيغة لملاقاة متطلبات الاستقرار الذي كان وراء ازدهارها. نقلاً عن جريدة "الحياة"
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكويت والحاجة إلى الابتكار الكويت والحاجة إلى الابتكار



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon