شظاياه غبار الطَّلع

شظاياه "غبار الطَّلع"

شظاياه "غبار الطَّلع"

 لبنان اليوم -

شظاياه غبار الطَّلع

حسن البطل
من حسن البطل إلى غسان كنفاني : طوبى لك، بالنار اكتويت .. ولسانك لم يذق طعم الرماد. في حضور موتك شظايا، سيذهبون الى كتبك، وأتملى صورتك في ضوء النهار الطبيعي. كنتَ الصاخب في حشد صاخب، وستأتي المراثي كأنك وحدك على المسرح، ويضيؤون حضورك بالأحمر الخاطف والأصفر المخطوف، والأزرق الضيق (ضيق، لأنه قماشة جسد السماء وجسد البحار) .. وأنا اعرف أن وجهك ينفجر بالابيض البسيط بين غمامتين سوداوين. من يجيد الغضب يجيد الضحك، ومن يجيدهما معا يهرّج بالحزن، كما الورور الأعرج والشحرور. لن أذهب الى نصّك الحاضر في حضورنا الغابر، وانما الى خط يدك. هل تعرف لماذا قتلوا ابو جهاد؟ اخضعوا خطه الى حساب الزوايا وحساب الدائرة .. ثم أجهزوا عليه. .. وأجهزوا عليك، من قبله، كأن موتهم الذي رتبوه لك خفية، ونفذوه بك مستعيرين صوت هزيم الرعد، قادر - مثل ثقب اسود - على ابتلاع نجم ساطع في ذروة نضجه وكويكب صغير في اول خلقه : أنت وابنة أختك. قد يولد الموت من شظايا. لكن، تولد الحياة من غبار الشظايا - يا غسان - ومنذ خليقة الأرض وغبار الشظايا يأتي الأرض على مهل. .. غير انك اكتويت بالنار، ولم تذق طعم الرماد. طوبى لك .. وطوبى علينا!! اذا كنتَ متعدداً في مفرد.. فماذا تكون؟ يكون غسان رجل الرجال، فيكون انسانا ينصرف في الثانية من حبر الجريدة، ورقها، وعناوين مقالاتها .. الى رحيق الروح مع الذين كان رئيسهم قبل قليل، فصار صاحبهم ونديمهم من آخر الليل .. حتى اول الفجر. وتودعهم قائلا: لا تقتلوني - يا رفاقي - بانغماسي في الحياة. لا تأخذوني الى تفاصيل اول الفجر. قرأت نصك مطبوعا من بعيد. رأيت شظاياك مبعثرة .. من بعيد، غير انني عشت حلمك بحيفا.. وكان كابوس يقظة. لك ان تكتوي بالنار (التي كوتني) .. ولي ان أذوق (عني وعنك) طعم الرماد. ولبعض الذين لم يكتووا بالنار ان يجبلوا الرماد بعسل رديء. لا أنا هذا ولا انت من هؤلاء. والموت قد يبدأ شظايا، والحياة قد تبدأ غبار شظايا انفجار قديم .. وحضور موتك مطر من الغبار اللامع. الرماد سماد .. والحريق رماد .. والحياة سماد الرماد لحياة اخرى، فإن تكن .. فهي رماد سماد لحياة الآخرين. فلتحيَ فينا يا غسان، ولنوفر عليك طعم الرماد. من رسالتك، بخط يدك، الى ابنة اختك، قبل ان يخطفكما موت واحد: "أيتها العزيزة: أنت تصعدين الآن، فيما دورنا على وشك ان يتم "في اللحظة التي سيتم فيها الاستقرار، لن نكون نحن ذوي نفع على الاطلاق. ولسوف يتولى القيادة جيل جديد. اما نحن، فلسوف ننحني جانبا. "هؤلاء "الآخرون" يا صغيرتي هم أنتم . لسوف ندفع لكم من قلقنا ثمن اطمئنانكم. (..) ان مشيئة التاريخ ان نكون نحن، ونحن فقط، جيل الانقلاب - الانتقال". "آليت ألا أكون متفرجا. ان أعيش اللحظات الحاسمة من تاريخنا، مهما كانت قصيرة ". هل قتلوك لأنك حررت في "الهدف" عاصفة "الجيش الأحمر" الياباني التي هبت على مطار اللد؟ او لأنك كررت عبارة وديع حداد الأثيرة: "هذا نضال يستلزم استخدام كل الطرق؛ كل الطرق بلا استثناء". .. ام قتلوك لأنك حررت "في الأدب الصهيوني" كتابا اول في المكتبة الفلسطينية - العربية. .. أم قتلوك لأنك رجل خرافي: نصف فلسطيني (أي فلسطيني تماما) ونصف اممي (أي أممي تماما). .. ومع ذلك، هل يصلح الرماد "لزقة لتسكين جرح قديم من الاكتواء بالنار؟ هل نخلط رماد العودة بعسل السلام المغشوش؟ قالت زوجتي منى: انت يا حسن وغسان ومحمود، اكثر ثلاثة اعرفهم تسكنهم فلسطين، حتى انها تحتلهم تماما. عرّفتني منى على أرملتك آني؛ وقدمت لي آني أولادك. عرّفتني الحياة على من عمل معك آخر الليل، ومن سهر معك حتى اول الفجر.. ثم فرقت "العودة " بين من عرّفوني عليك وبيني! وقفتُ يوما على ضفة البحر الميت الشرقية، قلت لابنتي : فلسطين هناك. اذا متّ، قفي هناك وانظري الى هنا. لابنتي حلم "رقم العودة. لن اطلبه مرة ثالثة، فلربما تكبر وتعود .. فلا يكون للعودة طعم الرماد. فلتكتوِ بالغربة حتى تنضج. انت الجمرة .. ونحن الرماد. نحن الجمرة على الأرض وأنت غبار مضيء في السماء .. أو"غبار الطَّلع" أنت! حسن البطل
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شظاياه غبار الطَّلع شظاياه غبار الطَّلع



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon