29 آب عودة معنى السياسة إلى لبنان

29 آب: عودة معنى السياسة إلى لبنان

29 آب: عودة معنى السياسة إلى لبنان

 لبنان اليوم -

29 آب عودة معنى السياسة إلى لبنان

علي الأمين

المفاجآت الايجابية متتالية. تحرك حملة طلعت ريحتكم ومنظمات في المجتمع المدني تطلق المزيد من المؤشرات التي تساهم في اعادة الثقة بالمجتمع اللبناني وحراكه المواطني. فالحشود التي اجتمعت يوم السبت في ساحة الشهداء حظيت بتشكيك من فريقي 8 و14 آذار، وكلا الفريقين وصفها بأنها مسيرة تحركها اما السفارات الغربية، او انها خاضعة لتسيير حزب الله وبرنامجه لإحداث 7 ايار جديد والذهاب نحو مؤتمر تأسيسي جديد. هذا في اعتقاد الكثيرين اضاف مصداقية الى الحراك وجعل شعاره الموحد السبت هو ادانة الثنائية الآذارية وتحميلها مسؤولية ما آلت اليه البلاد... وأزمة النفايات نموذجاً.

السؤال الذي لايمكن الهروب منه: كيف يتحول هذا الحراك المدني الى ظاهرة متنامية في لبنان، قادرة على تحقيق مطالبها وعلى تحديد اهدافها؟

لا يستطيع منظمو التحرك، ممن يبلورون تجربتهم في الميدان، ان يفصلوا البعد المطلبي والسياسي عن البعد الثقافي بما هو الموجه لسلوك اللبنانيين والمحدد لمطالبهم والناظم لخياراتهم ورغباتهم. فالحشود التي قدمت الى ساحة الشهداء، والتي استجابت بعفوية لدعوة حملة طلعت ريحتكم، عبرت في ذلك عن تراكم الغضب والاستياء من السلطة السياسية. لذا هي كانت على اهبة الاستجابة لأي دعوة تأتي من خارج السلطة الحاكمة بمختلف اطرافها.

في قراءة المشهد الشعبي الحاشد والمتنوع الذي يعبر عن حراك مدني ط ابرز ما يمكن ملاحظته من داخله هو التالي:

اولاً، انزياح المزاج الشعبي اللبناني عن الجدل القائم بين 8 و14 آذار، باعتباره فاقد الصلاحية وفاقد الجاذبية، فقوى 14 آذار لا تقل سوءا عن قوى 8 آذار. فإذا كان حزب الله متهما بأنه يقيم مشروعا على أنقاض الدولة فإن المناهضين له، ومنهم قوى 14 آذار، تخرب الدولة عمليا تحت شعار بنائها.

ثانياً، كشفت الحشود الشعبية المدنية السبت أن هناك حجما شعبيا لبنانيا لا يستهان به ضد معادلة 8 و14 آذار. فرغم "الشعارات المسلوبة"، بزعم العماد ميشال عون، من التيار الوطني الحر، لم تستطع دعوته مناصريه النزول الى الشارع، خلال وقت مبكر من الشهر الحالي، استقطاب هؤلاء الذين سلبوا شعاراته. لعل السبب، إذا صحّ الزعم او لم يصح، ان عون، بنظر حشود السبت، هو ضمن الثنائية الآذارية الحاكمة، فضلا عن ان مطالب الجنرال اتسمت بشخصانية غالبا ما تسبب عجزا عن القراءة الموضوعية.

ثالثا، الذين نزلوا يعبرون عن نخب جديدة في البلد، فإلى كون غالبية الحشود هي من الفئات العمرية الشابة، ثمة نخب جديدة تعبر عن تطلعات هذا الجيل وآماله الجديدة، وهو جيل افتقد القوالب السياسية القادرة على التعبير عن طموحاته وتطلعاته. وهذا ما يكشف عن المسافة الشاسعة بين هذا الجيل وبين ثنائية 8 و14.

رابعاً، الحراك المدني هو ظاهرة لكن لم تزل جنينية، لا تمتلك الرؤية الواضحة للتغيير ولا يمتلك الناشطون فيها الحنكة السياسية التي تحصنهم من الاعيب السلطة في البلد. قوى جديدة لديها مطالب ولا تمتلك برنامج عمل وهذا من طبيعة هذا الحراك وليس نقيصة فيه، ما دام انه يتقدم في التعبير عن نفسه وفي تنظيم صفوفه ضمن المحافضة على تنوع طبيعي في مكوناته وفي الميول السياسية. لذا هو امام تحدي عدم السماح لقوى السلطة باختراقه، رغم ان حدود الاختراق بهذا المعنى قد تسبب تعثرا وليس الغاء الحراك الذي يعبر عن واقع اجتماعي حقيقي وجديد.

ازاء هذه الملاحظات ثمة مهمتان تقعان على عاتق هذا الحراك، لأن هناك فرصا جدّية ليتحول الى رؤية سياسية تغييرية، يمكن ان تدفع نحو التغيير الفعلي. وهذا لا يتم الا من خلال مهمة اولى، هي التأسيس لمنظومة قيم سياسية جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، هذا الحراك يحملها اصلا. ذلك ان تغيير سياسي حقيقي يبدأ من بناء قيمي يؤسس عليه التغيير السياسي وخلاف ذلك فهو معرض للسقوط كما جرى مع ثورات الربيع العربي التي استندت الى التغيير السياسي من دون ان تؤسس او تثبت هذا التغيير فوق منظومة قيم الدولة الحديثة. وهنا لا نتحدث عن الايديولوجيا بل عن قيم الحريات والديمقراطية وسلطة القضاء وقيم المواطنية والمساواة وصولا الى الدولة المدنية. هذه المهمة تساهم في تحصين هذه الظاهرة من سقوط في الزواريب السياسية ومن ان تبتلعها منظومة قيم سلطة نظام الفساد والمحاصصة والطائفية الراسخة.

اما المهمة التي لا تقل اهمية فهي بناء رأي عام لبناني، يستطيع ان يحاسب ويفضح الفساد ويتابعه، وهي مهمة تستهدف اشراك الناس ببناء القرار السياسي في الدولة، بعدما فقد اللبنانيون لسنوات طويلة حسّ الاحتجاج والنقد والمحاسبة. هذا الحراك، في تجربته المبشرة، يمكن البناء عليه في بلورة رأي عام يتحسس من الفساد ويتابع ملفاته، بعدما بالغت السلطة الحاكمة في لبنان بالتعامل مع الناس باعتبارهم قطعانا لا يستحقون من الزعيم الا عبارة "افيدكم علما".... من دون ان يكون لديه اي شعور بأنهم يمكن ان يحاسبوه. وساهم زمن الوصاية السورية بترسيخ هذه الثقافة من خلال انتقال حق المحاسبة الاستنسابية السياسية من الناس الى سلطة الوصاية.

منظومة قيم جديدة وبناء رأي عام هو ما ينقل الحراك المدني من كونه حراكا إلى ظاهرة سياسية تغييرية فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

29 آب عودة معنى السياسة إلى لبنان 29 آب عودة معنى السياسة إلى لبنان



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon