لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر

لبنان والحروب الأهلية العربية: حـركة اسـتيراد وتصديـر!

لبنان والحروب الأهلية العربية: حـركة اسـتيراد وتصديـر!

 لبنان اليوم -

لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر

طلال سلمان
في سابق العصر والأوان، كان لبنان منتجعاً ومصيفاً ودار نقاهة لإخوانه العرب، سوريين وعراقيين وخليجيين، مصريين وليبيين وتوانسة وسودانيين ومغاربة، ومن بعد جزائريين... يصدّر إليهم الثقافة، دواوين الشعر والروايات والقصص والمجلات الأدبية، وأهل الفن ممثلات وممثلين ومطربات ومطربين، والأخطر: الأفكار المبشّرة بالتغيير والدعوة إلى حرية العمل السياسي والانفتاح على الجديد في العالم. أما بعد دهر الحرب الأهلية، والعديد من الأنظمة العربية كان شريكاً فيها، فأخذ يصدّر أو يعيد إليهم بعض نتائج تلك الحرب التي خرّبت لبنان وسمّمت العلاقات العربية ـ العربية... وهكذا دخلت القاموس السياسي العربي تعابير مستجدة أو مستعادة من بطون عصور الظلام والانقسام والفتن، فإذا المسلمون سنة وشيعة ودروز وعلويون وإسماعيليون، وإذا المسيحيون موارنة وأرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت فضلاً عن الأرمن والسريان والكلدان الذين يتوزعون بين أكثرية أرثوذكسية وأقلية كاثوليكية إلخ... اليوم يعلو الخطاب الطائفي بل المذهبي حتى يكاد يطمس الخطاب القومي أي العربي فضلاً عن الخطاب الوطني، في معظم الأقطار العربية، وتتفجر الخلافات التي كانت سياسية صراعاً طائفياً أو مذهبياً، ويقتبس الكل من التجربة اللبنانية المرة أقسى فصولها الدموية التي كادت تدمره في حرب أهلية مديدة لمّا نتخلص من آثارها بعد، ولا يبدو أننا سوف نتخلص منها في يوم قريب. لقد «نجح» العرب في استيراد أسوأ ما في النظام اللبناني تحت مسمى «الديموقراطية التعددية» لتمويه الطائفية والمذهبية، وأضافوا إليها بعض ما جاءت به الأصوليات والسلفيات، وها هم يصدّرون إليه «خيرات» هذه التنظيمات، ثم باشروا يصدّرون إلى الوطن الصغير والجميل الدعاة والوعاظ والمبشّرين بالدين الحنيف وكأنهم قد اكتشفوه للتو واندفعوا يعيدون نشره... بين المؤمنين. وها أن سرطان الطائفية والمذهبية يضرب في سوريا متسبباً في تحويل الصراع السياسي إلى مشروع حرب أهلية.. ويضرب في العراق ناشراً خطر التقسيم بالفتنة، في حين أنه ينشر مناخ التصادم بين المصريين مسلمين وأقباطاً، وقد عاشوا عبر التاريخ لحمة وطنية نموذجية. ولقد دفع شعب السودان، تحت حكم الإسلاميين، ضريبة ثقيلة إذ تمّ تقسيمه إلى شعبين في دولتين متواجهتين يفصل بينهما خط الجوع والخوف من حرب أهلية مفتوحة يزيدها النفط والتغلغل الإسرائيلي اشتعالاً. أما اليمن فثمة قوى دولية وإقليمية، وفي الطليعة منها جيرانه الأشقاء، يعملون على تحويل الصراع السياسي فيه إلى اقتتال طائفي يتهدد وحدة هذا الشعب الذي عرف «الدولة» قبل قرون من وصولها إلى أوروبا وأميركا. نعود إلى لبنان الذي يكاد كيانه الصغير يتوزع كانتونات طائفية متواجهة بالسياسة، وتفتقر إلى التوازن في علاقاتها بوصف أهلها أبناء شعب واحد في ماضيه وحاضره والمستقبل. إن هذا اللبنان يعاني الآن من مخاطر الأصوليات والسلفيات وهو لمّا يشف تماماً من جراح الانقسام الطائفي. وإذا كانت الأحداث الدموية في مخيم نهر البارد بداية الظهور المسلح للتنظيمات الأصولية، فإن ثمة جزراً عديدة للسلفيات الآن في أنحاء مختلفة من لبنان. ومن البديهي أن يتعزز وجود هذه الجزر وأن تتعاظم قوتها، عدداً وعدة، نتيجة للانفجار الدموي الذي تعيش سوريا في إساره منذ سنتين طويلتين والذي يشغل فيه الأصوليون موقعاً قيادياً. كذلك فإن وصول الإخوان المسلمين إلى سدة السلطة في مصر، أساساً، وفي تونس ولو بشراكة مهددة بالسقوط مع قوى سياسية أخرى، يعزز نفوذ التيارات الأصولية ويهيئ لانتشارها في أنحاء مختلفة من لبنان، عاصمة وجنوباً وجبلاً وشمالاً وبقاعاً، ويطلق مناخاً مثقلاً بالمخاوف والشكوك والريبة التي يمكن أن تخلخل العلاقات بين اللبنانيين بمختلف طوائفهم، وبالذات بين السنة والشيعة، وهي مهزوزة أصلاً ومنذ سنوات. بالمقابل فإن تفجر الخلافات السياسية في العراق والتي تتخذ أكثر فأكثر منحى التصادم بين السنة والشيعة، خصوصاً وأن ثمة بين الأنظمة العربية من يغذيها ويعمل على إدامتها وتسعيرها مما يهدد وحدة شعبها الذي عاش موحداً منذ إقامة الدولة في الكيان الذي استولد قيصرياً، مثله مثل سائر الكيانات السياسية في المشرق العربي، قبل قرن إلا قليلاً. وقبل حين من الزمن تمّ الهجوم على إرهاصات الثورة العربية والطموح إلى التغيير بتوجيه الاتهام إلى أحزابها وجماهيرها بالكفر والإلحاد. وكان لبنان المسرح والمختبر والمنبر لمواجهة فكرة الوحدة العربية بالتعددية الطائفية والمذهبية... وهكذا تمت مواجهة جمال عبد الناصر وزخم حركته الثورية في مختلف الساحات العربية بالخبرات اللبنانية معربة ومدولة. ومن المفارقات أن مواجهة المقاومة الفلسطينية وقيادتها، حين استقرت في لبنان، إنما تمت بالسلاح الطائفي ذاته، وهو سلاح يمكن تحويله بسهولة إلى المذهبية. إن الترسانة الطائفية جاهزة دائماً للاستخدام في مواجهة الدعوة إلى بناء دولة قادرة في لبنان، كما إلى ضرب وحدة الشعب ودولته في أقطار أخرى، كما يجري حالياً وكما يدبر لسوريا والعراق، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم ومدى ديموقراطيته. وثمة من هو مستعد لتمويل هذه الترسانة وتعزيزها بالسلاح والتغطية السياسية، بمعزل عن أن هؤلاء «المستعدين» يحكمون «رعاياهم» بالسيف ويحرّمون الانتخابات ويمنعون المرأة من قيادة السيارة ويفرضون عليها النقاب،... ثم يذهبون «لنصرة» الديموقراطية في الأقطار الأخرى بإذكاء نار الفتنة والشقاق الطائفي والمذهبي. ومن أسف أن بين القوى السياسية في لبنان من هي شغوفة بلعبة الفتنة، مفترضة أنها مصدر أكيد للشعبية ولو على حساب الوطن ووحدة شعبه ودولته. ولسنا نملك غير التنبيه بالتذكير أن الحرب الأهلية لا تبني أوطاناً بل هي تذهب بالدول وتمزق شعوبها طوائف مقتتلة إلى يوم الدين. حمى الله لبنان وشعبه، وسائر الشعوب العربية من الفتنة التي تذر قرونها في مختلف الجهات.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر لبنان والحروب الأهلية العربية حـركة اسـتيراد وتصديـر



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon