فاتن حمامه بعض عائلتك

فاتن حمامه: بعض عائلتك..

فاتن حمامه: بعض عائلتك..

 لبنان اليوم -

فاتن حمامه بعض عائلتك

طلال سلمان

خسر البيت فجأة بعض ملامحه.
سقط الخبر الذي لم يكن خارج دائرة التوقع على الركن الهادئ الذي كان واحدنا يرتاح فيه لاجئاً إلى اطمئنانه إلى أن في حياته إشراقات منعشة.
ليس يأساً من المستقبل أن تخاف على حاضرك ومنه، وأن تلجأ إلى بعض المشرق من وجوه حياتك، ولو في الماضي الذي كنت تحس فيه بشيء من الأمان لأن محيطك غني بالمشاعر الإنسانية ووجوه الإبداع والتي يقدمها إليك «نجومه» بغير طلب، فتقبل على حياتك بشوق.
فاتن حمامه كانت بعضاً من كل واحد منا، نحن الذين عاشت معنا، وقد نبالغ فنقول إنها أنعشت بالإبداع إحساسنا بالقدرة على إعادة صياغة حياتنا بما يحقق إنسانيتنا ويؤكد جدارتنا بها.
فاتن حمامه هي في العائلة ومنها. هي دفق من الحنان، فيها بعض من أمك، بعض من أختك، وكثير من حبيبتك، وغالباً ما افترضت أنها تعطيك من ذاتها ما ينعش شوقك لأن تعيش حياتك لأنها تستحق.
فاتن حمامه كانت بعضاً منك. هي دفق من الحنان.. ولذا كانت تدخلك فتسكن وجدانك بلا تكلف، بلا ادِّعاء، وتسقط جدار الغربة بلفتة، بابتسامة، بصرخة غضب تحسها انطلقت من صدرك.
بعد أول لقاء صارت صديقة. صرت تنتظر مواعيدها كانتظار العاشق الملهوف لقاء من يحب.
بوجهها الهادئ، بعينيها اللامعتين ذكاء، بصوتها الدافئ الذي يدخلك فيدخل إلى نفسك الهدوء، أو يحرك أشجانك فيأخذك إلى حافة البكاء.
ولقد اقتحمتك، أول مرة، وهي طفلة دون العاشرة من عمرها. وكان لديها قدر عظيم من الثقة بالنفس جعلها تبدو «حقيقية» أكثر من الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وسائر النجوم في ذلك الفيلم الأول لها.
ولقد دأبت على أن تذهب إليها في دار السينما، وفي طريق العودة تشعر بها إلى جانبك، تؤانسك، تطمئنك إلى أنك ربحت «نموذجاً» لمجتمع يقتحم الحياة بكفاءته واستحقاقه.
بابتسامة تشع من عينيها تحس أنها قد أخذت عنك همومك وأراحتك. بنبرة الغضب رفضاً لعتوّ الرجل ومعها دموع القهر تستثير نخوتك فتقرر أن تحمي رجولتك بالحب وليس بقهر رفيقة عمرك، أو صديقتك التي ستغدو حبيبتك.
صارت «هنادي» في بيوت كل من شاهد شريط «دعاء الكروان». أوصلت إليهم طه حسين وغيره العديد من الأدباء. شعر كثيرون أن «هنادي» قد تكون ابنتهم، ووصل التعاطف أنهم أسكنوها معهم، وخصوصاً في الركن الحميم من غرفة السر.
أما اسم «فاتن» فقد غلب أسماء القديسات والمتحدرات من النسب العريق.. لم يقف أحد أمام معنى الاسم أو ذكوريته. أعطاه لابنته حتى تكون فاتن في بيته. هي بعض العائلة.
تزاحم الزوج مع الزوجة على حبها، وتباهت البنت حاملة الاسم الذي كان قبلها «نكرة» فصيّرته اسم علم. كان صفة فصيّرته رمزاً للجمال الهادئ، ورمزاً لحق المرأة في أن تكون الشريك ورفيق العمر والأم المسؤولة، والحبيبة التي تظل على إخلاصها حتى وهي مظلومة، والعاشقة المستعدة للتضحية بسعادتها من أجل حفظ الكرامة الإنسانية لأسرة مهددة بالتفكك.
هي العاشقة بلا ابتذال. الحبيبة التي قد تضحي بحبها حتى لا تدمر حياة أسرة. وهي الأم التي تعيد صياغة حياة أسرتها. هي الزوجة المستعدة لتقبل شيء من الظلم لكي تنقذ بيتها من الهلاك.
هي فاتن حمامه التي أكدت جدارتها بأن تكون الشريك في إعادة صياغة حياة العائلة. ليست واحدة من الحريم بل هي إنسان بنبله كاملاً.
هي الأم، الأخت، العاشقة، الحبيبة، الزوجة، الصديقة. هي الحب مع كثير من الرفعة، وهي الوفاء لشرف الأسرة ولنقاء السريرة. تصبر وتتحمّل شيئاً من الظلم، وربما الكثير منه من أجل الأسرة.
هي الأم الصابرة، راعية بيتها وأطفالها، المحافظة على نصاعة الخلق ونظافة المسلك بغض النظر عن مباذل الرجال.
لم تبتذل وهي عاشقة. ولم تتجبّر وهي معشوقة. أكدت أن المرأة جديرة بالشراكة وهي الأعظم إحساساً بالمسؤولية مهما ثقلت.
ثم إنها قد اصطنعت نجوماً، ممثلين وممثلات، لأنها كبرت على الغيرة، وتعامت عن الحسد، وآمنت بقدراتها فلم تنزل إلى العراك على بطولة فيلم ولم تزاحم لتأخذ مكان غيرها.
ليس في فاتن حمامه ما يبهر، كامرأة. هي تبهر بطبيعتها. قد تجد مثيلاً لها في جارتك، في شريكة لك في عملك، على الطريق، في المطعم أو المقهى، لكنها مختلفة: في رقتها، في نبرة صوتها، في نظرتها الحانية، في شهقة اللهفة، في زغرودة الفرح. لقد اجتهد جيل بل جيلان من النساء في أن يتشبّهن بها. وبحث كثير من الرجال عن شبيهات لفاتن حمامه في من سيعشقون بل ويتزوجون.
كان كل واحد يريد أن يصحبها إلى بيته رفيقة عمر، لا شريكة ليلة سكر.
كانت امرأة اتخذتها جمهرة من النساء في المشرق والمغرب مثالاً، في حين تمنى كل روائي كما كل مخرج أن تعتمد نصه وأسلوبه، أما الممثلون الشباب فكانت غاية المنى عند أي منهم أن يقف أمامها ولو في لقطة واحدة.
فاتن حمامه هي عنوان السينما العربية قبل أن يضربها الابتذال فتذهب بعيداً عنها.
بل لقد أعطت صورة مشرقة عن المجتمع العربي وتحرره من كوابيس التقاليد المتحدرة من زمن مضى وانقضى، مبشّرة بمستقبل أفضل للإنسان العربي بكفاءته.
لقد فرضت بمستوى أدائها قدراً من التقدم على السينما العربية، وأوصلت بإحساسها العميق بالكلمة وبالقدرة المميّزة على تجسيد المعنى إلى جمهور ظل يتوسع ويتوسع مقتحماً جدران العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية، مقدماً نموذجاً محترماً للمرأة العربية بقدراتها على إيصال الثقافة إلى جماهير بسطاء الناس ممن حرموا من نعمة التعليم.
ولقد غفر لها «الجمهور» أن تتزوج غير مرة معتبراً أن ذلك يتصل بحياتها الشخصية، خصوصاً وأنه لم يؤثر على عطائها الفني، ولا هو حفل بمناخات الفضيحة.
سنفتقد فاتن حمامه التي أنعشت أمسياتنا عمراً، وإن كنا نعرف أنها ستبقى معلماً من معالم حياتنا الثقافية وحافزاً من حوافز التقدم الاجتماعي الذي يحقق النهوض في مختلف مجالات الحياة.
لقد ارتفعت فاتن حمامه فصارت نجمة في أفق إبداعنا الفني الذي جسّد بعض قدراتنا على اصطناع حياة تليق بالإنسان الذي قهرته الظروف فجعلته عاجزاً عن إنجاز ما يستطيع إنجازه فعلاً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاتن حمامه بعض عائلتك فاتن حمامه بعض عائلتك



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon