هذا استئثار وطرد، لا سياسة

هذا استئثار وطرد، لا سياسة

هذا استئثار وطرد، لا سياسة

 لبنان اليوم -

هذا استئثار وطرد، لا سياسة

حازم صاغيّة
واحد من أبرز أسباب الاستقطاب الذي تعيشه مصر، وإلى حدّ ما سائر بلدان المشرق العربيّ، أنّ أحداً لا يريد أن يضحّي بما يراه ثابتاً من ثوابته، أو يتحمّل ما يبدو له غريباً أو مختلفاً عن مألوفه. فـ «الإخوان المسلمون» في السلطة آثروا التمسّك بالأسلمة، ولو على نحو أقلّ حدّة ممّا وصفهم به خصومهم. وفي تمسّكهم هذا غلّبوا الوفاء لثوابتهم المعتقديّة على غنى الواقع وتعدّده وما يفرضه وجودهم على رأس سلطة زمنيّة. أمّا أعداؤهم ومعارضوهم فلم يتحمّلوا «الإخوان» في السلطة حتّى لو كانت سلطتهم مترنّحة ومرشّحة للسقوط في أيّة لحظة. وقد بلغ بهم التعنّت حدّ التضحية بزعمهم الديموقراطيّ والالتفاف حول الجيش بوصفه المخلّص. لقد قاتلوا «الإخوان» ورئيسهم محمّد مرسي بناء على «ما قد يفعلونه» أكثر ممّا قاتلوهم على ما فعلوه. غنيّ عن القول إنّ طعم الاستبداد حادّ في الموقفين، فيما الاستعداد للتسامح، أي التقبّل والتحمّل، ضعيف جدّاً. وهذا ما يشي، على نحو استعاديّ، بطريقة في فهم «الربيع العربيّ» مفادها معالجة الاستبداد باستبداد آخر. وهذه بالطبع ليست الطريقة الوحيدة التي عاينّاها في السنتين الفائتتين، بل إنّها لم تكن الحساسيّة المهيمنة حين انفجرت الثورة المصريّة، وقبلها التونسيّة، بقيادة شبّان الطبقة الوسطى المدينيّة وشابّاتها. بيد أنّ نوازع الاستبداد لا يكفي للتغلّب عليها ظهور أصوات غير مستبدّة لكنّها ضعيفة الارتكاز إلى مصادر داخليّة وإلى تراث محلّيّ. من هنا يمكن أن نلاحظ كيف بدأ يطغى تعريف الذات ضدّيّاً بدلاً من تعريفها إيجابيّاً. هكذا، مثلاً، ينسحب من التداول طلب الحرّيّة والخبز والكرامة لنغدو، أقلّه في مصر، حيال كتلة «تعادي» الإخوان وكتلة «تعادي» الجيش والملتفّين حوله. أمّا في عموم المشرق العربيّ الآسيويّ فبات الصوت الأعلى صوت العداء السنّيّ للشيعة والعداء الشيعيّ للسنّة، وهو ما ترفده عداوات أخرى للأكراد وللأصوليّين وللعلويّين والمسيحيّين. وفي السياق هذا تندرج الدعوة الثأريّة لحلّ «الإخوان المسلمين» في مصر، والتي لم يكن رافعها أقلّ من رئيس الحكومة نفسه، حازم الببلاوي، بعد سلسلة اتّهامات قدّمت محمّد مرسي بوصفه «متخابراً مع العدوّ»! وغنيّ عن القول إنّ التخوين تكفير زمنيّ كما أنّ التكفير تخوين إلهيّ. إلى هذا فحلّ تنظيم سياسيّ يرقى وجوده إلى 1928 عمل لا يمكن أن يوصف بغير الاستئصاليّة التي سبق للحكم العراقيّ أن قدّم عيّنة عنها في «اجتثاث البعث». لكنّ ثمّة شكلاً آخر تُبديه هذه الضدّيّة وهذا الانفصال عن كلّ سياسة وكلّ مبدأ: فـ «الإخوان» لا يتردّدون اليوم في الاستشهاد بالمواقف الأميركيّة والأوروبيّة لتوكيد أنّ ما فعله الجيش انقلاب على الشرعيّة، لكنّهم، في الوقت نفسه، لا يتردّدون في اتّهام الجيش بالتواطؤ مع الغرب وإسرائيل ضدّ «الإخوان». أمّا الجيش الذي يخاطب الغرب، مستوحياً لغة بشّار الأسد، مؤكّداً أنّه يخوض معركته ضدّ الإرهاب، فلا يتورّع عن وضع «كرامة مصر» في مواجهة الغرب المتّهم بدعم «الإخوان» لأغراض شيطانيّة! إنّ كلّ طرف فينا يريد أن يحقّق لنفسه الحدّ الأقصى من الكسب، بغضّ النظر عن تماسك اللغة الموازية لهذا المسعى أو تهافتها. وهذا طرد واستئثار، لكنّه حتماً ليس سياسة تقود، عبر التسويات، إلى شراكة في الوطن.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا استئثار وطرد، لا سياسة هذا استئثار وطرد، لا سياسة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon