من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش»

من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش»

من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش»

 لبنان اليوم -

من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش»

حازم صاغية

في 1948 ولدت إسرائيل. هذه الدولة الغريبة هزّت مفاصل المنطقة، لكنّها لم تقض على الدول القائمة وعلى خريطتها كما ارتسمت بعد الحرب العالميّة الأولى. هكذا، وعلى رغم العداء المتبادل والحروب، اندمجت إسرائيل، ولو اندماجاً ضدّيّاً، في نظام المنطقة العريض.

في 1958 قامت الوحدة المصريّة–السوريّة بزعامة عبدالناصر. لكنّ هذه الوحدة بدل أن تُسقط الحدود وخريطة «دول التجزئة»، سقطت هي نفسها قبل أن تحتفل بعيد ميلادها الرابع. لقد لفظتها خريطة كانت تملك من أسباب القوّة ما لا يُبديه الظاهر دائماً. وكاستطراد على انهيار الوحدة، اندلعت في اليمن «الحرب الأهليّة العربيّة الأولى»، على ما سمّاها البعض، ولم تسقط الخريطة ولا انشقّ اليمن.

في 1967 كان الحدث المزلزل: ثلاث دول عربيّة، في عدادها مصر الناصريّة، تنهار أمام الدولة العبريّة. الأمر لم يستغرق أكثر من ستّة أيّام احتُلّت فيها الضفّة الغربيّة وسيناء والجولان. مع هذا لم تُمزّق الخريطة فيما توافق العالم على أنّ الاحتلال ناشز، وأنّ الطبيعيّ عودة ما احتلّ إلى أمّه الخريطة.

وفي 1975، وبعد خمس سنوات على تمرين أردنيّ–فلسطينيّ عابر، افتتح اللبنانيّون والفلسطينيّون زمن الحروب الأهليّة المفتوحة التي استدرجت أطرافاً لا حصر لها، جيوشاً محتلّةً ومالاً وسلاحاً ومخابرات. لكنّ لبنان لم يُقسّم، وما بين 1982 و2000 مكث سكّانه ينتظرون إدراج أراضيه المحتلّة داخل خريطته.

نجاة الدولة العربيّة القائمة وصون خريطتها لم ينجما عن أيّ تماسك مزعوم للمجتمعات العربيّة، ولا عن رغبة في الحياة المشتركة يصعب الاستدلال عليها. لقد كانت الحرب الباردة السبب الأهمّ في تلك النهايات السعيدة التي كانت تتلو اقتراب الدول من هاويتها. فالغرب والشرق أرادا لعقود مديدة أن يقتصر التغيير على الأنظمة وألاّ يطاول الحدود. ولم تستطع عدالة القضيّتين الكرديّة والفلسطينيّة أن تضمن لأيّ من الطرفين دولة تخترق الخريطة المعصومة. وقد تعدّى هذا المبدأ منطقتنا إلى مناطق أخرى كنيجيريا، حيث لم يُفض تمرّد بيافرا، أواسط الستينات من القرن الماضي، إلى انفصال. أمّا في الجوار الأقرب كقبرص، فقد حيل بين التقسيم الفعليّ الذي قام أواسط السبعينات والتقسيم الشرعيّ الذي استُبعد.

مع انتهاء الحرب الباردة، وقبيل اندلاع الهويّات الصغرى والأوّليّة، جرّب صدّام حسين حظّه بغزو الكويت. لكنّ المحاولة الخرقاء في بداياتها جاءت خرقاء في نتائجها أيضاً. وبدا بالفعل أنّ كسر الخرائط، حتّى بعد انتهاء الحرب الباردة، يتطلّب ما هو أكثر من خفّة صدّام. إنّه يتطلّب مهابة آية الله الذي شكّلت ثورته قاطرة الردّ الأهمّ على «استقرار» الحرب الباردة.

فثورة الخميني التي زيّنت لنفسها أنّها تشقّ «طريقاً ثالثاً»، كانت أكثر ما لم تحتمله خريطة المنطقة، وهي شكّلت أقوى المعاول في تصديعها. لقد استفزّها صدّام بخفّة سبقت خفّته الكويتيّة فردّت بحزم أكبر في تصدير ثورتها الذي التحم بالأوضاع العصبيّة والأهليّة لمحيطها المجاور. هكذا تغيّر لبنان تغيّراً عميقاً في ظلّ الوصاية السوريّة و «حزب الله»، ويتغيّر اليمن الذي قد ينفرط على أيدي الحوثيّين، كما تغيّر العراق الذي باتت تنفر خرائطه الفرعيّة من خريطته الجامعة، فيما ابتلع الانقسام الأهليّ في البحرين مطالب التغيير العادلة. ومن استفزاز العالم السنّيّ بما ترتّب على ثورة الخميني إلى «داعش» بوصفها، بين أمور أخرى، استفزازاً للاستفزاز، صارت الخريطة لوحة حبر يزيله أيّ ماء.

وكلام كهذا ليس صادراً عن عداء شوفينيّ لإيران، وهو ليس تفسيراً تآمريّاً يغضّ الطرف عن أسباب الانهيار العميق في أنسجتنا الوطنيّة، كما أنّه ليس بالضرورة لطماً ونواحاً على مصير تلك الدول أو حكم قيمة سلبيّاً على ذاك المسار. فإيران الخمينيّة ربّما كانت أداة تاريخ يصعب تأجيل انفجاره إلى ما لا نهاية. لكنّ ثورتها تبقى أكثر ما لم تستطع المنطقة هضمه على مدى قرن هو عمرها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش» من ثورة الخميني إلى ثورة «داعش»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon