مراجعة إخوانيّة

مراجعة إخوانيّة؟

مراجعة إخوانيّة؟

 لبنان اليوم -

مراجعة إخوانيّة

حازم صاغيّة
شهد عقد العشرينات، حين ولدت «جماعة الإخوان المسلمين»، ظهور نُوى شيوعيّة في مصر ولبنان. لكنّ أحد الفوارق الهائلة والكثيرة بين الطرفين أنّ الشيوعيّين عبّروا عن ولادة قطاع حديث هو الصناعة وطبقتها العاملة ممّا أنتجته العلاقات الاستعماريّة الجديدة. أمّا «الإخوان»، في المقابل، فعبّروا عن صدمة الاحتكاك بالغرب وحاولوا الردّ عليه جملة وتفصيلاً. فلم يكن بلا دلالة أن يرتفع شعار «القرآن دستورنا»، أو أن تكون المدينة التي وُلدوا فيها، أي الاسماعيليّة، هي التي حضنت، وفي آن معاً، المقرّين القياديّين للقوّات العسكريّة البريطانيّة ولحملات التنصير الدينيّة. وبعد عشرين عاماً، لم تنفصل نشأة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، عن توسّع المؤسّسة العسكريّة والإدارات، على أثر الاستقلال، في سوريّة أوّلاً ثمّ في العراق. وظلّ هذا الارتباط بوجه من وجوه التحديث غريباً عن «الإخوان» الذين تحوّل صدامهم بالمؤسّسة العسكريّة، وصدامها بهم، واحداً من التيّارات العريضة للحياة السياسيّة في المشرق العربيّ الحديث. والحال أنّنا إذا راجعنا قدرة الأنظمة العسكريّة، في مصر وسوريّة والعراق، على التخلّص من عناصر إخوانيّة تمكّنت من التغلغل في الجيوش، أذهلتنا تلك القدرة التي تشي بتعارض مطلق بين الجسدين. صحيح أنّ «التنظيم – الإرهابيّ – الخاصّ» الذي أنشأه «الإخوان» مطالع الأربعينات، ثمّ الأدبيّات القطبيّة الراديكاليّة التي ظهرت في الستينات، ربطت أبناء حسن البنّا بلون وظيفيّ وأداتيّ من التحديث. غير أنّ ذلك لم يكن البتّة كافياً لتحويل ذاك الجمهور الشعبيّ العريض إلى جمهور يتقاطع مع التحديث، كائناً ما كان تعريف هذا المصطلح الأخير وكائناً ما كان الموقف منه. وعلى العموم عملت المظلوميّة، التي تصلّبت في العهد الناصريّ، على تعزيز الميل إلى الانسحاب والانكفاء عن عالم «جاهليّ» من صناعة الشياطين الأجانب والمحليّين. أمّا الهجرة الإخوانيّة، المصريّة ثمّ السوريّة، إلى الخليج فعائداتها الماليّة لم تتحوّل قوّة اجتماعيّة فاعلة رغم استثمارها الموسّع في نشر الدعوة. وهذا ما توضحه أيّة مقارنة بين الإخوانيّة العربيّة والإخوانيّة التركيّة، حيث ترافق الصعود السياسيّ للأخيرة مع تبلور بعض الوسائط الاجتماعيّة، كبورجوازيّة الأناضول أو الطفرة التلفزيونيّة التي أتاحها عهد تورغوت أوزال (1989 – 1993). وقد تعلّم إخوانيّو تركيا، وسط هذه التجربة التي حاولت المزج بين الإسلام والليبراليّة، ما لم يتعلّمه إخوانيّو مصر من سياسة وتفهّم لـ «السوق» ولـ «الرأي العامّ» واتّجاهاتهما. يقال هذا بقصد التنويه بالمسافة الفلكيّة التي ينبغي على «الإخوان» عبورها من أجل أن يتحوّلوا قوّة مؤثّرة في عالم حديث لا يوجد عالم سواه. والحال أنّهم إن لم يتحوّلوا في هذا المنحى، كان ذلك وبالاً، لا عليهم فحسب، بل على مجتمعاتهم كذلك. لقد سلّطت الثورة السوريّة، في أحد معانيها، الكثير من الضوء على تفاهة القوى الحداثيّة غير الإخوانيّة، وعلى تفاهة حداثيّتها نفسها. وفي المعنى ذاته يمكن القول إنّ الانقلاب المصريّ الأخير، مستفيداً من هزال السنة التي قضاها محمّد مرسي في الرئاسة، سلّط الضوء على معضلة الانقطاع الإخوانيّ عن العالم الحديث والذي لا مهرب من رأب صدوعه. فمع «إخوان» كهؤلاء، ما من أمل. ومن دون «إخوان»، فيما هم يمثّلون شعبيّاً ما يمثّلون، ما من أمل كذلك.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراجعة إخوانيّة مراجعة إخوانيّة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon