مجرّد فرضيّة تركيّة ضعيفة

مجرّد فرضيّة تركيّة (ضعيفة)

مجرّد فرضيّة تركيّة (ضعيفة)

 لبنان اليوم -

مجرّد فرضيّة تركيّة ضعيفة

حازم صاغية

لا يزال رجب طيّب أردوغان وإسلاميّوه يصارعون للتوصّل (أو لعدم التوصّل!) إلى ائتلاف حاكم، إمّا مع الأتاتوركيّين وإمّا مع الأكراد وإمّا مع القوميّين الغلاة. ولكلّ صيغة مصاعبها، كما أنّ لكلّ منها أكلافها وعائداتها على أردوغان و»حزب العدالة والتنمية»، وكذلك على الطرف الذي سيقع عليه خيار الائتلاف. وهذا، بالطبع، من دون استبعاد الانسداد والفشل، ثمّ العودة من جديد إلى انتخابات قد يراهن الإسلاميّون على إنتاجها أكثريّةً حاسمة.

ما يمكن قوله حتّى الآن إنّ تركيّا نجحت في امتحانها الديموقراطيّ، واستحقّت على نجاحها التهاني والإكبار. إلاّ أنّ ذلك لا يلغي احتمال ظهور الفشل في محطّة تالية، وربّما اتّخاذ هذا الفشل شكل العنف، أو - وهذا احتمال أضعف - شكل الانقلاب العسكريّ الذي يعيد للجيش، وقد بُرّىء من التآمر على الحكومة، دوره القديم في التحكيم وفي «إنقاذ البلد من الفوضى والتطرّف».

لكنْ لنفترض لوهلة أنّ الأتراك سينجحون حتّى آخر الشوط في استيعاب أزمتهم السياسيّة وتصريفها ديموقراطيّاً. فافتراض كهذا لا بدّ أن ينطوي على ثورة هائلة في تركيّا نفسها، واستطراداً في المنطقة العربيّة - الشرق أوسطيّة برمّتها، فضلاً عن آثاره الكبرى في الفكر السياسيّ الشائع بسائر تلاوينه.

فتركيّا ذات الديموقراطيّة المستقرّة تعني حكماً إنفاق المزيد من الجهد لتذليل المشكلات التي ترقى أصول بعضها إلى الزمن العثمانيّ المتأخّر، وأصول بعضها الآخر إلى الحقبة الكماليّة. وتعاطٍ كهذا، تعدّديّ وديموقراطيّ، مع الإسلاميّين والأكراد والعلويّين، وصولاً إلى جماعات وأقلّيّات أصغر كالأرمن، لا بدّ أن يندرج في توطيد الدولة - الأمّة التركيّة وفي توسيع الإجماعات التي تنهض عليها، ناهيك عن تكريس الديناميّات السياسيّة والمؤسّسات الدستوريّة في التعامل معها. وفي السياق ذاته، لا بدّ أن يتواصل، بجدّيّة وبإصرار أكبر، السعي التركيّ إلى استكمال الاندماج في أوروبا، مع ما يعنيه هذا على صعيدي التكريس الديموقراطيّ داخليّاً والسياسة الخارجيّة.

وإذا مضينا أبعد في هذه الفرضيّة أمكننا القول إنّ تركيّا، المنصرفة إلى داخلها، ستهبّ في وجه رياح المنطقة العاتية، أتمثّلت في الجموح الإيديولوجيّ الإيرانيّ - الشيعيّ أم في الجموح المقابل لقوى التكفير السنّيّ، وعلى رأسها «داعش».

ففي مقابل إيران، التي يتعاظم استغراقها في التوسّع الخارجيّ، كما في مقابل «داعش» وإخوانه، حيث يضيع كلّ فارق بين الداخل والخارج، سوف تُضطرّ أنقرة الجديدة إلى إطلاق انقلابين ضخمين، واحد داخل الإسلام السياسيّ في المنطقة، وآخر داخل السنّيّة السياسيّة فيها. وهو ما قد يقود إلى تعديل أساسيّ في طبيعة الصراع الجاري بما يقوّي ثنائيّة ديموقراطيّ - غير ديموقراطيّ على ثنائيّة سنّيّ - شيعيّ، فاتحاً للأمل أفقاً جديداً يبدو اليوم موصداً كلّيّاً.

لكنّنا في زمن يُصدر معه «داعش» مجلّة شهريّة بالتركيّة، فيعد أهالي إسطنبول بفتح مدينتهم مجدّداً وبتخليصها من «الحكم العلمانيّ الغربيّ». وهي مجرّد إشارة، تكثر مثيلاتها، إلى «طبائع الاستبداد»، وإلى أنّ عبور الفرضيّات المتفائلة، المعاصرة لعصرها، أمر صعب، إن لم يكن، حتّى إشعار آخر، معاقاً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجرّد فرضيّة تركيّة ضعيفة مجرّد فرضيّة تركيّة ضعيفة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon