البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»

البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»

البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»

 لبنان اليوم -

البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»

حازم صاغية

بغضّ النظر عن طبيعة الزيارة «إلى القدس وبيت لحم»، التي سيقوم بها البطريرك المارونيّ بشارة الراعي، فإنّ سؤالاً مُلحّاً يطرح نفسه علينا:
هل يمكن التعايش في رقعة مساحتها لا تتعدّى الـ 10452 كيلومتراً مربّعاً، ولا يقيم عليها من المواطنين أكثر من أربعة ملايين، صوتان: صوت يريد أن يحرّر القدس وبيت لحم، في عداد ما يريد تحريره، وآخر يزور صاحبه القدس وبيت لحم؟
لا بدّ من أنّ هناك خللاً ما. والخلل هذا كان ليتبدّد لو أنّ «حزب الله»، صاحب المقاومة والتحرير، وقف وقفة صلبة ضدّ زيارة الراعي، بل حتّى لو حاول منعها بالقوّة التي يملكها. لكنّ الحزب لم يفعل، وحسناً أنّه لم يفعل.
لقد اكتفى بكلمات قليلة تقول إنّه غير سعيد بالزيارة هذه، مُرسلاً إلى بكركي وفداً تصرّف بأتمّ اللياقة والتهذيب في تعبيره عن عدم سعادته.
والأمر، والحال هذه، ينطوي على مراعاة غير مألوفة كثيراً من الحزب لواقع الطوائف اللبنانيّة وخياراتها. ولأنّ المراعاة غير مألوفة، خصوصاً حين يكون الحدث زلزاليّاً كما هي حال زيارة الراعي، والتي ستشمل أيضاً «تفقّد» مَن انخرطوا في «جيش لبنان الجنوبيّ»، فإنّ ثمّة ما يدعو إلى التفكير والتمعّن في هذه المراعاة.
فالمؤكّد الذي لا يقبل النقاش أنّ سلوكاً كهذا كان ليستحيل قبل 2005، حين كانت القوّات السوريّة في لبنان. لكنْ من المؤكّد أيضاً أنّه كان ليستحيل قبل 2011، حين كانت بوّابة الموضوع الإسرائيليّ المَعبَر الأهمّ، بل الأوحد، لخدمة المصالح الطائفيّة التي يرعاها «حزب الله»، معطوفةً على خدمة المصالح الإيرانيّة في المشرق العربيّ. أمّا بعد قيام الثورة السوريّة، فصارت البوّابة السوريّة هذا المَعبَر. فاليوم تُرسم في دمشق، لا في تلّ أبيب، صورة العلاقة بين الطوائف والجماعات، وفيها يقوى الجسر الإيرانيّ إلى منطقتنا أو ينهار.
أبعد من ذلك أنّ تبدّل الأولويّات هذا، وما استجرّه من سياسة المراعاة للطوائف، أو لبعضها، يوفّران حجّة أخرى للقائلين إنّ مقاومة «حزب الله» لم تكن إلاّ ذريعة لتمكين الطائفة ولتعزيز رعاتها الإقليميّين. ولطالما كانت فلسطين الموسيقى السهلة التي يرقص على نغمها من تودّ سوريّة «القويّة» ترقيصه. فحينما انهار الموقع السوريّ تحوّلت حلبة الرقص عن فلسطين.
هكذا يخذل «حزب الله» أفراداً بسطاء تحلّقوا حوله لأنّه «يقاوم إسرائيل»، مثلما تخذل الحقيقةُ الأوهام. ويُترك هؤلاء يقاتلون طائفة كبرى، غير مدعومين بطائفة كبرى، ظانّين أنّهم يحظون بمباركة «الجماهير» التي تأتي من خارج الطوائف، أي من خارج الواقع والوقائع، أي لا تأتي.
وفي هذا، على عمومه، درس مفاده أنّ قضيّة فلسطين إنّما صُنّعت وجُعلت قضيّة جوهرانيّة لا حلّ لها لأنّ سوريّة العسكريّة كانت تريدها هكذا، فتستخدمها كي تخنق شعبها وتضع يدها على لبنان وتُخضع الفلسطينيّين وتهدّد الأردنيّين...
والأبرياء الذين صدّقوا العسكر السوريّ، الذي تلازم صعوده السياسيّ مع نكبة فلسطين، صدّقوا أيضاً «حزب الله». لكنّ هؤلاء لم ينتبهوا إلى أنّ آباءهم في الخمسينات والستينات انقرضوا تماماً: ذاك أنّ الآباء كانوا فعلاً الجماهير لأنّ الزمن العسكريّ حينذاك كان يكبح البلدان والجماعات ويضع دواخلها في ثلاّجة مُحكمة الإغلاق، فلا يتيح للحناجر أن تصدح إلاّ بفلسطين. أمّا وقد استيقظت تلك الدواخل، بالوطنيّ فيها كما بالطائفيّ والعشائريّ، فقد صرنا في مكان آخر يتوهّم الأبناء فيه أنّهم... جماهير.
وفي هذه الغضون يستأنف البعض كذبهم في استغلال فلسطين، والبعض الأصغر بَلهَهم بطوبى فلسطين، فيما يتهيّأ الراعي لزيارة قد لا نستطيع اليوم أن نتخيّل دلالاتها البعيدة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطريرك الراعي ورضا «حزب الله» البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon