إلى «صراع الحضارات» درْ

إلى «صراع الحضارات» درْ

إلى «صراع الحضارات» درْ

 لبنان اليوم -

إلى «صراع الحضارات» درْ

حازم صاغية

 عجّلت مارين لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنيّة» العنصريّة، في تحويل الجريمة الباريسيّة الأخيرة إلى تعبير عن «صراع الحضارات» ورُهاب الإسلام، حين ردّتها إلى الهجرة المغاربيّة وإلى مهاجريها. ومثلها فعل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو وبعض وزرائه، بدعوتهم يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل واعتبارهم الدولة العبريّة، بدلاً من فرنسا، وطناً لهم.

الأولى تريد فرنسا من دون مسلمين. الثاني يريدها من دون يهود.

الاثنان، من موقعيهما، يسعيان إلى حرمان الاجتماع الوطنيّ الفرنسيّ من مكوّنين أساسيّين فيه، ويعملان، بقوّة الهلع وإثارته وتعميمه، على إرجاع فرنسا إلى ما قبل صيرورتها مجتمعاً تعدّديّاً، دينيّاً وإثنيّاً وثقافيّاً.

الاثنان لا تهمّهما علامات النجاح في بناء هذا المجتمع التعدّديّ، وحقيقة أنّ أعداداً ضخمة من اليهود والمسلمين اندمجوا، على مرّ أجيال، في فرنسا. إنّهما معنيّان فقط بحالات الفشل التي يردّانها، في صورة أو أخرى، إلى الدين وحده.

الأمر لا يقتصر على لوبن ونتانياهو. فهناك مزاج عامّ، خطير ومتنامٍ، ظهرت طلائعه قبل المذبحة الباريسيّة، وكانت آخر علاماته التي سبقت المذبحة، رواية ميشال أويلبك «الإخضاع»، التخييليّة المستقبليّة، وحركة «بيغيدا» (وطنيّون أوروبيّون ضدّ أسلمة الغرب) الألمانيّة.

والمزاج هذا بدأ يتمدّد إلى بيئات غير يمينيّة وغير معروفة تقليديّاً بالعداء للإسلام. ومن يقرأ مقالة المثقّف الأميركيّ مايكل ولزر http://www.dissentmagazine.org/article/islamism-and-the-left

ينتابه خوف مبرّر. فكيف إذا صحّت توقّعات البعض بهجمات واعتداءات تطاول المسلمين في فرنسا وباقي أوروبا؟

مهمّة قطع الطريق على «صراع الحضارات» ورُهاب الإسلام أكثر من مُلحّة، والكثير من مسؤوليّتها يقع على المسلمين، لا سيّما لجهة البرهنة على أنّ الانشقاق داخل الإسلام أكبر ممّا يفصل عالم المسلمين عن عوالم غيرهم. وهذا ما لا تزال القرائن عليه قليلة وضعيفة.

لقد ذاعت أخيراً تسريبات الرسائل الإلكترونيّة المتبادلة داخل محطّة «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزيّة، والتي بيّنت كم أنّ الصحافيّين عندنا حذرون ومقتصدون في التعبير عن تضامنهم مع زملاء لهم قضوا بطريقة بالغة البشاعة. لقد تصرّف هؤلاء بوصفهم مسلمين لا بوصفهم صحافيّين، فقدّموا هديّة ثمينة لدعاة «صراع الحضارات» بدل الصراع داخل «الحضارات».

وراجت في الأيّام الأخيرة نظريّات عجيبة تفترض أنّ التضامن والتعاطف هما كميّتان محدّدتان بدقّة حسابيّة، بحيث يكون التضامن مع قضيّة ما حسماً من التضامن مع قضيّة أخرى. وهذا للأسف ما اكتشفه بعض أنصار الثورة السوريّة المصرّين على وضعها في سياق مغاير للسياق الغالب كونيّاً، علماً بأنّ الربط بين التضامنين والبناء عليه ليسا بالأمر الصعب. والمدهش أكثر، أنّ أنصار النظام السوريّ كانوا، في الوقت عينه، يؤكّدون أنّ «طابخ السمّ آكله» لأنّ الفرنسيّين، بحسب هذا الزعم، هم داعمو العصابات الإرهابيّة التي تقاتل الأسد ونظامه.

إذاً، واحدٌ يناهض التضامن مع فرنسا بفعل نقص التضامن الفرنسيّ مع الثورة السوريّة، وآخر يناهض التضامن إيّاه بفعل كثرة التضامن الفرنسيّ مع الثورة السوريّة. وهذا ليس، في أيّ من معانيه، انشقاقاً داخل «حضارتنا»، بل هو تعبير عن وحدة «حضارتنا» في وجه «حضارتهم».

أغلب الظنّ أنّ مسلمي فرنسا سيكونون مصدر الكلام المفيد وسط هذه الضوضاء، وأنّهم هم الذين سيقدّمون المساهمة الأنفع في التصدّي لـ «صراع الحضارات».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى «صراع الحضارات» درْ إلى «صراع الحضارات» درْ



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon