حرائق في البيت الروسيّ الكبير

حرائق في البيت الروسيّ الكبير؟

حرائق في البيت الروسيّ الكبير؟

 لبنان اليوم -

حرائق في البيت الروسيّ الكبير

حازم صاغيّة
يخطئ الذين يتحدّثون عن استعادة الحرب الباردة كما كانت عليه قبل انهيار جدار برلين وتفسّخ الاتّحاد السوفياتيّ. ويخطئ أكثر أولئك الذين يختزلون الصراعات الدائرة على كوكبنا إلى نزاعات «جغرافيّة سياسيّة» على مناطق النفوذ، غير عابئين بالأسباب الداخليّة لتلك الصراعات، أو بالفوارق بين واحدها والآخر. لكنْ في حدود «الحصّة» الجغرافيّة – السياسيّة، وما قد تحمله من تشابه مع الحرب الباردة، يجوز القول إنّ الحرائق تندلع اليوم في البيت الروسيّ الكبير. هذا ما نراه الآن ساطعاً في أوكرانيا، الفناء الخلفيّ لروسيا. صحيح أنّ النزاع السياسيّ يتقاطع مع نزاع قوميّ ولغويّ، وأنّ النتائج التي قد تسفر عنها المواجهة الروسيّة – الغربيّة تنطوي على احتمالات متباينة عدّة، في عدادها التقسيم وفي عدادها التقاسم في الأرض أو في السلطة. إلاّ أنّ ما لا يرقى إليه الشكّ أنّ الأزمة الأوكرانيّة وضعت فلاديمير بوتين في موضع المدافع. وحتّى في حال الهجوم العسكريّ المرجّح في القرم، وربّما أيضاً في الشرق، دفاعاً عن «الأمن الحدوديّ» لبلاده، فإنّ ما سوف يناله، أي الشرق والجنوب، سيكون أقلّ من أوكرانيا الحاليّة التي سيتّجه ثلثاها وجهة أخرى. ومع كلّ الفوارق بين أوكرانيا وسوريّة، حيث تصطبغ الثورة أيضاً بالأزمة الاقليميّة والاحتراب الأهليّ، يبقى أنّ حليف موسكو هو المدافع. ذاك أنّ النظام السوريّ هو ما هبّت الثورة في وجهه، وهو تالياً المعرّض للسقوط على نحو أو آخر. أمّا الاستراتيجيّة البالغة الهجوميّة التي اتّبعها، ويتّبعها، نظام بشّار الأسد، فلا تغيّر الحقيقة الآنفة وهي أنّه في موقع الدفاع. وفي أميركا اللاتينيّة بدأت التركة الشافيزيّة في فنزويلاّ تختلّ. ذاك أنّ الحركة التي بدأت طلاّبيّة في الولايات الشرقيّة للبلاد، ضدّ تردّي الأمن والغلاء، ما لبثت أن تحوّلت حركة سياسيّة وشعبيّة في العاصمة كراكاس وسائر المدن الكبرى. ولم يكن بلا دلالة أنّ الرئيس الشافيزيّ نيكولاس مادورو اتّهم وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة (سي آي أي) بالوقوف وراء معارضيه وبتحريضهم على إسقاط نظامه. وهنا أيضاً تختلف فنزويلاّ اختلافاً كبيراً عن كلّ من سوريّة وأوكرانيا، كما يُرجّح أن تختلف أشكال الصراع ومآلاته فيها عنهما، علماً بأنّ مستوى سخونتها لا تزال أقلّ كثيراً عمّا هي الحال في أوكرانيا أو سوريّة. بيد أنّ المؤكّد أنّ المعركة حول الشافيزيّة ومدّة صلاحيّتها بدأت. وهي قد تهدأ قليلاً وقد تستعر قليلاً في انتظار الانتخابات النيابيّة العامّة العام المقبل، إلاّ أنّها باتت تتصدّر أجندة الفنزويليّين الذين يريد نصفهم علاقات أفضل بالولايات المتّحدة، أي علاقات أقلّ بروسيا. يزيد في «غرابة» ما نشهد أنّ الإدارة التي تحكم واشنطن ليست إدارة دوايت أيزنهاور ووزير خارجيّته جون فوستر دالاس، ولا هي إدارة ريتشارد نيكسون أو رونالد ريغان أو جورج دبليو بوش. فما يحصل في سوريّة وأوكرانيا وفنزويلاّ يتزامن مع إحدى أكثر الإدارات عزوفاً عن التدخّل في تاريخ الولايات المتّحدة منذ «تورّطها» في شؤون العالم في عشرينات القرن الماضي. وهذا التزامن إنّ نمّ عن خطل النظرة التآمريّة الملفّحة بالفهلوة الجغرافيّة – السياسيّة، نمّ أيضاً عن وجهة تستحقّ التأمّل والانتباه من مهندسي الأحلاف الروسيّة في العالم. لقد بدا، ولا يزال يبدو، أنّ البيت الأميركيّ الكبير معرّض بدوره لحريق يشبّ في تركيّا. وهذا، في حال حصوله، سيكون بالغ الأثر على المجريات السوريّة. لكنْ من الذي يضمن أنّ إيران، في المقابل، لن تشهد شيئاً مماثلاً ينجم عن تفاقم الخلاف بين حسن روحاني و «الحرس الثوريّ»، ويكون له أثر أبلغ من الأثر التركيّ على المجريات السوريّة؟ في هذه الغضون، تبقى تركيّا وإيران موضوعين للتكهّن. أمّا سوريّة وأوكرانيا، وبدرجة أقلّ من التوتّر، فنزويلاّ، فعناوين راهنة عن حرائق في البيت الروسيّ الكبير.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرائق في البيت الروسيّ الكبير حرائق في البيت الروسيّ الكبير



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon