«حزب الله» أسباب الهذيان ووظائفه
أخر الأخبار

«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه

«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه

 لبنان اليوم -

«حزب الله» أسباب الهذيان ووظائفه

بقلم:حازم صاغية

يتّفق أطبّاء ومحلّلون على أنّ الهذيان تغيّر مفاجئ يطرأ على الدماغ فيسبّب اختلالاً في الشعور واختلاطاً في الذهن. وهو كثيراً ما يحصل إثر تحوّلات يتعرّض لها الجسد، قد تكون عمليّاتٍ جراحيّة أو تعافياً من الكحوليّة بعد إدمان مديد. لكنّ أحد الاحتمالات الحادّة الذي ينجم عن الهذيان فقدانُ التركيز والانتباه، وأحياناً نسيان المُصاب مَن يكون هو نفسه، وفي أيّ مكان يكون، وما الذي يفعله حيث يكون. وهذا ما يسبّب ترنّحاً في حركة الجسد التي قد تتراوح بين بطء يتاخم الشلل وتسارُع يشبه الهرولة.

وفي ما يصدر اليوم عن «حزب الله»، بعد التحوّل الضخم الذي عرّضته له «حرب الإسناد» وتوابعها، ثمّة قدْر صارخ من الهذيان. ولربّما جاز القول إنّ العمليّة الجراحيّة والتعافي من الإدمان يصلحان استعارةً، ولو بقدر من التصرّف. ذاك أنّه يُفترض بالحرب، وهي العمليّة الجراحيّة، أن تكون قد جفّفت خمرة الانتصار وعجرفة التسلّط وطرحت على الحزب سؤال التكيّف مع الواقع.

لكنّ من يسمع الشيخ نعيم قاسم، أمينه العامّ، وبعض قياديّيه والناطقين بلسانه، وهم يعطون فرصاً ومِهلاً للدبلوماسيّة وللحكومة، ويهدّدون بأنّ مِهلهم قد لا تُمدّد، ويؤكّدون على سريان مبدأ «الجيش والشعب والمقاومة»، وينفون حصول الهزيمة، ويلحّون على عدم تسليم السلاح، يقطع بأنّ فشلاً ذريعاً يُلمّ بالتكيّف ويثبّت الهذيان ويرسّخه.

غير أنّ الدقّة تستدعي القول إنّ تلك النتيجة لا تُعدم مبرّراتها. فالتكيّف يغدو صعباً جدّاً بعد أن عُوملَ الإدمان، على مدى أربعة عقود، بوصفه حالة طبيعيّة مثلى، وبعدما انعقد ما يشبه الإجماع حول وصف كهذا. ذاك أنّ السكرة التي امتدّت من أوائل الثمانينات حتّى أشهر قليلة خلت إنّما قُدّمت بوصفها هي الصحوُ بعينه، فيما كان الذين لا يُقرّون بذلك يُطالَبون بمعالجة نفوسهم المريضة أو المتآمرة.

هكذا رُسم ازدواج السلاح المديد، وتحكّم طرف غير شرعيّ بقرار الحرب والسلم، بوصفهما عين الصواب وكبد الحقيقة. وأتيحَ لهذا الغلط العظيم أن يملك اليد العليا في اختيار الرؤساء والوزراء، وفي وضع السياسات والخطط. أمّا أن يكون الحزب، وهو لا يحظى أصلاً بترخيص رسميّ، مُجتمَعاً موازياً يقف خارج الدولة الوطنيّة وفوقها، ويخوّن الكبير والصغير على هواه، فهذا أيضاً بدا حقّاً له لا يُمارى فيه. ولسنوات طويلة أتيح لـ»حزب الله» أن يُبلغنا أنّنا مُهدّدون، على رغم ما تقوله لنا أحاسيسنا وتجاربنا، ويُحذّرنا من أنّ علينا أن نقاوم، ضدّاً على ما تراه رغباتنا وأفكارنا وقدراتنا. وفي هذه الغضون تُرك لأذنابه أن تقرّر، نيابة عنّا، أيّ الأفلام ينبغي أن لا تُشاهَد وأيّ الكتب ينبغي أن لا تُترجم أو تُقرأ...

هكذا أمسى الانتقال صعباً من الطور الذي كان فيه الإدمان حاكماً، فسادَ تغنيج الهذيان وصار الآخرون مضطرّين إلى التكيّف معه، إلى طور بات معه الهذيان محكوماً، يُسمّى بأسمائه الفعليّة الخطيرة التي يحذّر منها الآخرون، فيما يغدو أصحابُه هم الطرفَ المُطالَب بالتكيّف.

فنحن، بلغة أخرى، ننتقل من زمن كان فيه الواقع هو المُطالَب بالتعايش مع الإدمان، إلى زمن يغدو معه المدمن مدعوّاً إلى التعايش مع الواقع. وأمر كهذا، دون أدنى شكّ، شديد الصعوبة.

لكنّ الهذيان، مع هذا، يبقى وظيفيّاً، يستدعيه الاستخدام الإيرانيّ ما دام التفاوض جارياً بين طهران وواشنطن. فمطلوبٌ، والحال هذه، إبقاء سلاح الحزب في اليد لا يُسلّم إلى الدولة، تماماً كما هو مطلوب بقاء المفرقعات الحوثيّة في اليمن ورقةً للمقايضة.

بيد أنّ كلّ شيء صار أصغر من ذي قبل: يصحّ هذا في القضايا المدّعاة كما يصحّ في الأدوات والقدرات. وهو مسار يدلّ إلى التآكل والانكماش بسبب الحرب، وفي موازاة التحوّل الإيرانيّ من قوّة مخيفة تملك أوراقاً جدّيّة إلى قوّة خائفة ذات أوراق متهالكة ومتداعية. وربّما جاز قياس الفارق بين المرحلتين على النحو التالي: في المرحلة الأوّلى كان يُقتل رئيس الحكومة المخالف لرغبات الحزب ورُعاته، على نحو مشهديّ مُضخّم فيما يُحال دون التحقيق في الجريمة، وفي الطور الثاني يُشتم، بحقد وبذاءة، رئيس الحكومة المخالف لتلك الرغبات بوصفه «صهيونيّاً».

وهذا ليس للتهوين من خطورة ما يجري اليوم، خصوصاً وقد دلّت الانتخابات البلديّة الأخيرة على أنّ في وسع وعي هذيانيّ، ولو مهزوم، أن يحافظ على مبايعة شعبيّة عريضة، لأسباب لا تتّسع لها هذه العجالة. وهذا علماً بأنّ كلفة الاستمرار في تقديم البيعة باهظة جدّاً على أمن اللبنانيّين واقتصادهم وإعادة إعمارهم وشروط إقلاعهم الوطنيّ. وقد يكون المبايعون أنفسهم الأكثر تضرّراً بين سائر المتضرّرين.

وهذا ما لا يمكن أن يستمرّ وما لا يجوز. فإذا كان اللبنانيّون جميعاً مدعوّين إلى بذل جهد أكبر، مصحوب باستفزازيّة أقلّ، لدمج ثلث السكّان في مشروع وطنيّ، فإنّ أصحاب المصلحة المباشرة أوّلُ المُطالَبين بالانفكاك عن مشروع هذيانيّ مهزوم لا يمكن أن يقود إلى مكان آمن.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«حزب الله» أسباب الهذيان ووظائفه «حزب الله» أسباب الهذيان ووظائفه



GMT 03:21 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

هل يتعلَّم لبنان من حكومة الشرع؟

GMT 03:18 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الرئيس والمهاجر

GMT 03:14 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

بيروت ودمشق وتحدي الدولة الطبيعية

GMT 03:11 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

الكاميرات... و«الأخ الأكبر»

GMT 03:08 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

ملاقاة التحول والفرص المهدورة

GMT 03:06 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

«حزب أميركا»... إلى أين يقودها؟

GMT 03:03 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

كوميديان يبكي وجمهور يضحك

GMT 02:55 2025 الإثنين ,09 حزيران / يونيو

لبنان ومستوطنات إسرائيلية جديدة

ستيفاني عطاالله وزاف قصة حب تحولت إلى عرض أزياء أنيق تُوّج بزفاف ساحر

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:15 2022 الثلاثاء ,07 حزيران / يونيو

صحيفة "دايلي ستار" اللبنانية تُسرّح جميع موظّفيها

GMT 21:06 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

أفضل العطور لفصل الصيف هذا العام

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 22:16 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

نفايات مسترجعة من تونس تسبب أزمة في إيطاليا

GMT 15:04 2023 الأحد ,07 أيار / مايو

الأطفال في لبنان بقبضة العنف والانحراف

GMT 13:07 2023 الإثنين ,20 شباط / فبراير

منى سلامة تطرّز الشوكولاته بحب والدتها

GMT 10:18 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

نيويورك تايمز" تعلن الأعلى مبيعا فى أسبوع

GMT 20:00 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

فيراري تزيل النقاب عن أقوى إصداراتها

GMT 02:33 2023 الخميس ,20 إبريل / نيسان

اتجاهات الموضة في أنواع طلاء الأظافر لعام 2023

GMT 05:05 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أهم مزايا الطاولة الجانبية في ديكورات غرف النوم

GMT 21:10 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon