عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

 لبنان اليوم -

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ترتفع اليوم أصوات لبنانيّة، كانت أكثر خوفاً وتردّداً، مطالبةً «حزب الله» بالتوقّف عن مواصلة الحرب، وبالكفّ عن تعريض المدنيّين لموت مجّانيّ. ذاك أنّ الذرائع كلّها تساقطت، ونظريّة «الحزب يحمي لبنان» صار من بالغ الصعوبة الدفاع عنها، حتّى أنّ «لبنان»، بكلّ ما هو عليه من ضعف وإضعاف، بات يملك من القدرة على «حماية الحزب» ما يفوق قدرة الحزب على «حماية» لبنان.

والاعتراف بالواقع دون مكابرة ليس ترويجاً للهزيمة، ولا انحيازاً إلى إسرائيل، بل هو رغبة في وقف الهزيمة عند حدّ، ووقف القتل والموت عند المحطّة التي بلغاها. فكلّ ما يحصل يأمر بذلك، ويحضّ على البحث عن كلّ فرصة سياسيّة لا تزال متوفّرة لمغادرة المأساة التي تتمادى.

فليس من معجزات في الأفق، وهناك توازنات قوى قد لا تعجبنا لكنْ لا بدّ من التسليم بها، وبأنّ أحداً لن يهبط من السماء لتعديلها. والحال أنّ إسرائيل تتصرّف تصرّف وحش هائج لا يثنيه أيّ اعتبار عن ارتكاب المجازر، والتقديرات كلّها تتحدّث عن تصعيد كبير على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة، وهذا فيما بات واضحاً تماماً أنّ الردّ العسكريّ الممكن لا يستطيع وقف ذلك، تماماً كما لا يستطيع وقفه الضغط السياسيّ والدبلوماسيّ، لا في غزّة ولا في لبنان الذي فقد كلّ أوراقه في هذا الميدان. أمّا الماضون في تحميس «حزب الله» و»حماس»، وفي إدانة كلّ دعوة إلى التوقّف عن مواصلة القتال، فلا يفعلون غير التسبّب بمزيد من الدم والضحايا والمضيّ على الطريق التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه.

لقد احتلّ تعبير «الشماتة» موقعاً معتبراً في شبكة المشاعر التي أثارتها الأيّام السوداء الأخيرة المستمرّة. والشماتة، دون أدنى شكّ، شعور مريض، خصوصاً حين تطال مدنيّين صدف أنّهم كانوا هناك على مقربة من هذا التفجير أو ذاك. لكنْ ألسنا جميعاً مرضى بنتيجة هذا الوضع المزمن من تفشّي الكراهية والحقد في ما بين «الأخوة»، وهو ما فاقمته كثيراً حرب لم تسند غزّة بل صدّعت لبنان؟ وهل يمكن، لغير الملائكة، وهم قلّة، والمُداهنين، وهم كثرة، أن يستجيبوا لدعوات التضامن مع «حزب الله»، غاضّين النظر عن أنّه ساقهم إلى حرب كهذه غصباً عنهم، ولم يكن ذلك للمرّة الأولى، وهذا مع العلم أنّهم عارضوا دائماً حروبه ووقفوا ضدّها، واعتبروها أكثر ما يعطّل قيام دولتهم وما يمنع إصلاح سياستهم واجتماعهم. وقد حصل ذلك بعد تاريخ لم يعد قصيراً من العنف والاغتيال اللذين طالا لبنانيّين وسوريّين كثيرين جدّاً، ناهيك عن أفعال التشهير والتخوين وسواهما؟

واليوم، في ظلّ تحريم كلّ مراجعة وكلّ اعتراف، ما الذي يمكن قوله لرافض الحرب بوصفها حرباً إيرانيّة – إسرائيليّة حين يعلم أنّ السفير الإيرانيّ في بيروت يحمل «البايجر» الذي يحمله الكادر العسكريّ في «حزب الله»؟ وهل يُفترض باللبنانيّ «الوطنيّ والشريف» أن يتحمّس لموته في حرب إيرانيّة – إسرائيليّة؟ وما الذي يقال لأهل الضحايا منذ 14 شباط (فبراير) 2005 حتّى تفجير مرفأ بيروت وما تلاه، ممّن طُمس التحقيق في جرائم موتهم، حين يعلن زعيم «حزب الله» أنّ التحقيقات بصدد ضحايا وسائل الاتّصال على وشك أن تنتهي؟ وماذا يقال للسوريّ الذي لا يقرأ سيرة قائد عسكريّ من الحزب إلاّ ويكتشف أنّه شرب دم أخيه السوريّ؟ وهل يكفي لرأب هذه الصدوع كلّها وقوفنا «في وجه العدوّ الصهيونيّ» كما لو أنّ هذا الشعار طاقة سحريّة تُسلَّط على شعوب مسحورة؟

لكنْ رغم كلّ شيء، وكلّ ما يحصل، لا تزال حرارة التشهير والتخوين حتّى اليوم تنافس حرارة السلاح. ذاك أنّ المطلوب هو أن يقال ما تقوله الآلة الحربيّة وتوابعها بحذافيره. فإذا استمرّت الأمور العسكريّة في التدحرج نحو الأسوأ لن يتبقّى لنا سوى أن نودّع العقل نهائيّاً، فنعلن مثلاً أنّنا ننهزم لكثرة ما انتصرنا، وأنّنا نتراجع لشدّة ما تقدّمنا! وبهذا فقط نكون «وطنيّين شرفاء»!

وأغلب الظنّ أنّ عمليّة قضم العقل هذه يُراد لها أن تتوّج كلّ مسارات القضم التي سبقتها وطالت سائر مستويات الوجودين الخاصّ والعامّ. وهذا إنّما يصدر عن تقليد عريق في ديارنا يمكن تسميته بالسيناريو القياميّ المعكوس. فبحسب الرواية الناصريّة مثلاً، حصلت هزيمة حزيران (يونيو) 1967 فيما كانت تتفجّر الإنجازات والمكاسب التي كان التشكيك بها يرقى إلى خيانة موصوفة، وبعد أن استعرضت سوريّا عبقريّة فذّة عبّر عنها ذكاء حافظ الأسد، إذا بسوريّا نفسها تتفسّخ وتنهار...

لكنْ بغضّ النظر عمّا تنتهي إليه هذه الكارثة المطنطنة، المغلّفة بالانتصارات المؤزّرة، يبقى شيء واحد: فلربّما بدا ذات مرّة أنّ اللبنانيّين مرشّحون لأن يغدوا شعباً واحداً، لكنّ المؤكّد أنّ هذه الحرب قتلت ما تبقّى من أمل بذلك. ولسوء الحظّ بات المرجّح بعدها أنّهم لن يغدوا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon