المعرفة التي قتلت لقمان سليم

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

 لبنان اليوم -

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

في خبرها بالغ الاقتضاب عن الجريمة الأخيرة، وتماماً قبل «نشرة أخبار الطقس»، وصفت محطّة «المنار» لقمان سليم بـ «المواطن» الذي عُثر على جثّته...
تلفزيون «حزب الله» لم يقصد بتلك الكلمة أن يؤكّد حقوق المواطنة وواجباتها. إنّه، بالطبع، لم يعن «المواطن» الذي حرّمت تعذيبه الحضارتان القديمتان لليونان وروما. كان المقصود حجب نعوت كثيرة يستحقّها ذاك الرجل الذي حوّلته خمس رصاصات إلى «جثّة».

لقمان سليم كان مثقّفاً وكاتباً وناشراً ولغويّاً ومخرجاً سينمائيّاً ومؤرشفاً ومترجماً وناشطاً... لم تكن تعوزه الصفات. تجريده منها جميعاً فيه شيء من القتل الثاني. استخدام «مواطن» من قبل الذين لا يعني لهم الوطن إلاّ ساحة مواجهات، قتل ثالث.

لماذا قُتل لقمان سليم مرّات كثيرة؟

أغامر بالقول: لأنّه، في وجوهه المتعدّدة تلك كان مهجوساً بالمعرفة وبالتعريف. كان يمارسهما بشجاعة يندر مثيلها. حقّاً يندر.
ولبنان اليوم صناعته الأولى الكذب والتجهيل. من الذي يعرف مثلاً لماذا حصل انفجار المرفأ وما قصّة نيترات الأمونيوم؟ من الذي يعرف ناهبي المال العامّ؟ من الذي يعرف لماذا قُتل الذين قُتلوا منذ 2005؟

ما نعرفه، وهو كثير، ممنوعٌ أن يصبح حقيقة. مطلوب أن يبقى وجهة نظر قد تؤدّي بصاحبها إلى الموت.
أكثر من هذا: نظام حياتنا، منذ حرب 1975، نظام كذب وتجهيل. من خطف من؟ من قتل من؟ من نهب من؟ لكنْ أيضاً: هل فعلاً كان لبنان القديم ذاك البلد الذي لا يُطاق؟ هل فعلاً كان الغربيّون والإسرائيليّون ما إن يغسلوا وجوههم في الصباح حتّى يباشروا التآمر على لبنان؟ هل فعلاً كنّا متّفقين وموحّدين حول الشعارات الموصوفة بالقداسة؟ هل فعلاً أذللنا إسرائيل في 2006 وقبلها وبعدها؟ هل فعلاً يمكن الجمع بين الدولة والمقاومة أيّاً ما كانت الدولة وأيّاً ما كانت المقاومة؟ هل فعلاً كان نظام الأسد وجيشه ضمانة للوحدة الوطنيّة اللبنانيّة؟ هل فعلاً يكمن حلّ مشاكلنا الاقتصاديّة في إيران وما يليها شرقاً؟

كلام تقيّة وكتمان هو ما يُفترض أن يُباح به حتّى لا يُتّهم القائل بأنّه خائن أو مطبّع، هذا إن اقتصر القتل على شكله المعنويّ. ولقمان شُتم وهُدّد وطُوّق منزله وعُيّر بالتهم السياسيّة المبتذلة إيّاها ونُبّه إلى أنّ «المجد» هو «لكاتم الصوت». بعض الصحافة والإعلام ساهم في ذلك.

ومع أنّ وصف «ناقد حزب الله» كثيراً ما يختزل لقمان سليم، إلاّ أنّ تحوّل «حزب الله» إلى الطرف الذي يصنع كلّ شيء تقريباً جعل ناقده ناقداً لكلّ شيء، أكان في الواقع القائم أم في الرواية السائدة عنه.

وممّا كان لقمان سليم يعرفه ويعرّف به أنّ للبلد تاريخاً، وأنّ الجريمة أيضاً لها تاريخ. بمعونة زوجته المبدعة مونيكا بورغمان وأخته الأديبة رشا الأمير، وعدد من الشبّان والشابّات الذين يشاركونه همومه، انكبّ لقمان على كشف المستور، وكلُّ حقائقنا، الكبرى منها والصغرى، مستورة. أحيى قضيّة مخطوفي الحرب المسكوت عنها من خلال معرض فنّيّ باهر وموسّع.

عبر مؤسّسة «أمم»، جمع كلّ ما تيسّر من أوراق الحرب بجرائدها وبياناتها وبأصغر قُصاصاتها، لأنّ الأرشيف حجّة دامغة ضدّ الكذب. هكذا أرشف الحرب ووساخاتها التي يمجّدها الضالعون في تمجيد الموت. شارك في ثلاثة أفلام وثائقيّة عن ضحايا مخيّمي صبرا وشاتيلا وعن السجناء اللبنانيّين في سجن تدمر «الأخويّ». رعى ندوات ولقاءات لا تُحصى ناقشت بعض أكثر المواضيع تقديساً وتحريماً. وعبر «دار الجديد»، فتح الباب لقضايا غير مطروقة وأسماء غير مسموعة.

وبهمّة ونشاط فائضين لا تعادلهما إلاّ شجاعته، أصرّ لقمان على أن لا يطغى الصوت الواحد والرواية الواحدة. بيت أبيه في الضاحية الجنوبيّة من بيروت أبقاه كما كان قبلاً، مكاناً مفتوحاً ومرحِّباً يذكّر بماضي الضاحية الجميل والمتعدّد. أمّا تجربة والده الراحل محسن سليم، النائب والمحامي اللامع والخطيب، فلا بدّ أنّها حصّنته حيال الأكاذيب الدارجة عن ماضي الضاحية وماضي لبنان.

ودوماً في مشاغبة لقمان على الوعي الموارب، كان يتّجه كالسيف إلى حيث ينبغي للوصف أن يطابق الموصوف، وللقول أن يطابق الواقع. فهو لم يكن من أولئك الذين ينظرون إلى طائرات الدرون الإسرائيليّة وهي تتقافز فوق رؤوسهم، ثمّ يستنتجون أنّ «زمن الهزائم قد ولّى». وبحسّ السوسيولوجيّ وهوى المحقّق الصحافيّ، كان لقمان يجد لرأيه كمّاً هائلاً من الدعم في أحوال المناطق والعائلات وفروع العائلات، وفي ما يؤكل ويُشرَب في البيوت المحجوبة عن النظر.
هذه كلّها أسباب موجبة لأن تقتله... إسرائيل.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعرفة التي قتلت لقمان سليم المعرفة التي قتلت لقمان سليم



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon