الأسد لن ينتصر

الأسد لن ينتصر

الأسد لن ينتصر

 لبنان اليوم -

الأسد لن ينتصر

بقلم : حازم صاغية

منذ زيارته داريّا المنكوبة، تعاظم شعور بشّار الأسد بالانتصار. فهو تصرّف وتحدّث على هذين النحو والافتراض، فكأنّه استنتج وضعه من كونه نقيض داريّا. وما دام أنّ الأخيرة صارت خراباً، فإنّه كضالع في سياسات الإبادة غدا المنتصر التلقائيّ.

والحال أنّ الأسد ضمن لنفسه هدنة روسيّة - أميركيّة بدت نافعة له. صحيح أنّها قد لا تعيش ولا تتحوّل مدخلاً إلى تسوية سياسيّة، لأسباب أهمّها أنّ الأميركيّين والروس ليسوا متّفقين كثيراً على اتّفاقهم الجديد، ما توحي به الضربة الجوّيّة الأميركيّة الأخيرة. مع هذا ثمّة من يعوّل على أنّ الأسد، وفي الحالات جميعاً، كرّس نجاحات ونمّ عن نجاحات. فمطلب إزاحته لم يعد مطلباً أميركيّاً ولا عاد مطلباً تركيّاً. أمّا الميليشيات الإرهابيّة الداعمة له، اللبنانيّة منها والعراقيّة والأفغانيّة، فلفّ الصمت الدوليّ دورها مثلما لفّ أوضاع السوريّين الذين يتلذّذ النظام بسجنهم وقهرهم وتغييبهم. وهذه وسواها ممّا أطنب النقّاد والمعلّقون في تناوله تقول إنّ الأسد انتصر، وإنّ انتصاره يعكس توازنات قوى محلّيّة وإقليميّة ودوليّة لاءمته ولم تلائم معارضيه.

مع هذا، يصحّ الرهان على أنّ ذاك التأويل سراب، وأنّ الأسد لا يمكن أن ينتصر، لا اليوم ولا في أيّ غد مقبل. وهذا لا يرجع فحسب إلى أنّ سلطته تقتصر على نصف المساحة السوريّة، وإلى أنّ جيشه وأجهزته الأمنيّة أضعف كثيراً من أن تستثمر بذاتها أيّ انتصار وأن تحوّله إلى واقع سياسيّ. وطبعاً لا يُعوّل كثيراً على الصرخات الحماسيّة البريئة لبعض المعارضة من أنّهم «لن يمرّوا»، خصوصاً أنّ مثلاءهم سبق لهم للأسف أن مرّوا في إسبانيا وفي كلّ مكان عرف الخطابة الحماسيّة.

واقع الأمر أنّ الأسد لن ينتصر لأنّه أهين على مرأى شعبه والعالم وعلى مسمعهما. وهذا نمط من الأنظمة يحتمل إهانة واحدة كبيرة يعالجها بقمع يُنهي الاعتراض بالدم قبل أن تعود الأمور إلى «طبيعتها». إلّا أنّه لا يحتمل خمس سنوات ونيّفاً حفلت بالإهانات وتمزيق الصور ودوس التماثيل وتمريغ الرموز.

ولمّا كان النظام، الضعيف الأدوات والخائر القوى، مضطرّاً، بعد انتصاره المفترض، إلى إدامة الاستعانة بالروس والإيرانيّين وبميليشياتهم، كي يبقى نظاماً، فهذا ما سوف يضاعف طبيعته كتركيبة مُهانة وذليلة. وهي طبيعة لابدّ من أن تفاقمها المقارنة التي يلحّ عليها تبجّح مثلّث الأضلاع: انتصاريّ مشوب ببقايا اللغة القوميّة لحزب البعث، و «حضاريّ» أنتجته السنوات الماضية حيال «العربان»، وسياديّ ووطنيّ حيال «الإمبرياليّة وعملائها».

ثمّ إنّ ظروف التهجير والنزوح ممّا طاولا ملايين السوريّين تجعل التأطير والضبط اللذين لا يقوم نظام أمنيّ من دونهما في غاية الصعوبة. فكيف حين نضيف تعرّض ربع الشعب السوريّ لتأثيرات الخارج الذي انتقلوا إليه وتفاعلوا معه، ويقظة بعض الروابط الطائفيّة أو القرابيّة أو العداليّة مع أطراف في الجوار مناهضة هي الأخرى للأسد؟

وبعد كلّ حساب، هل يمكن أن يقوم، في العالم العربيّ، بعد تجربة ثوراته، نظام يضمّ رصيده أقصى الطغيان وأقصى الثأريّة وأفدح الأكلاف الإنسانيّة وضعفاً في الأدوات العسكريّة والأمنيّة والسياسية والاقتصادية التي تجعل الحاكم حاكماً، كما تجعل الاستعمار الخارجيّ المباشر حالة يوميّة وعيانيّة وملموسة؟

صحيح أنّ حظّ الأسد يبقى أفضل من حظوظ القذّافي وصدّام لأسباب معروفة، إلّا أنّ رحيل الأوّلين قصّر فاتورتَيهما الدمويّتَين بقدر ما أطال البقاء على قيد الحياة الفاتورة الدمويّة لزميلهما السوريّ. وهذا يسمح بالقول إنّ الأسد لن ينتصر ولن يحكم. أما أن يُهزم أيضاً معارضوه، وأن تكون سورية القديمة التي هندسها أبوه هي نفسها قد انتهت، فهذان موضوعان آخران.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسد لن ينتصر الأسد لن ينتصر



GMT 07:01 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 17:43 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كيف نربّي مناعة حيال إسرائيل؟

GMT 07:10 2024 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان المُحيّد عسكريّاً والمصارحة المطلوبة بين اللبنانيّين

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,25 أيلول / سبتمبر

انطباعات أوّليّة وسريعة وغاضبة على هامش الحرب

GMT 18:52 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

عن أيّام لبنان السوداء و«الشماتة» وأمور أخرى

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon