لا مفاضلة بين إرهابين

لا مفاضلة بين إرهابين

لا مفاضلة بين إرهابين

 لبنان اليوم -

لا مفاضلة بين إرهابين

حازم صاغية

تعيش المنطقة اليوم نوعين من القتل الوحشيّ:

- هناك القتل الذي تمارسه أنظمة بحقّ شعوبها، حيث يحتلّ النظام السوريّ موقعاً متصدّراً، إن لم نقل إنّه غير مسبوق في الإجرام والمضيّ فيه عاماً بعد عام، بلا تعب ولا تردّد.

- وهناك القتل الذي تمارسه قوى التطرّف الدينيّ بحقّ الأقلّيّات الدينيّة والرعايا الأجانب، وهو يتّخذ شكلاً بدائيّاً ومقزّزاً، فضلاً عن كونه إشهاريّاً ينمّ عن عدم اكتراث كامل بما تواضعت عليه البشريّة المتمدّنة.

والواقع أنّ النوع الأوّل من القتل إنّما ينتمي إلى إرهاب الدولة، والارهابُ، منذ سُكّ التعبير وصفاً لعهد روبسبيير، بدأ إرهاباً رسميّاً من فوق. أمّا الثاني فينتمي إلى الإرهاب الذي يناهض كلّ دولة وكلّ اجتماع سويّ.

وهذا جزء من سحر «داعش» يطرحه في السوق بأشكال عدّة بعضها غير مألوف بتاتاً، وبعضها الآخر يستنطق نوازع عميقة مقيمة فينا. فهو قويّ قوّة غير مألوفة، يطيح الحدود، ويتحدّى قوى دوليّة كبرى، ويتمدّد جغرافيّاً أو يجد مقلّدين له خارج مهده العراقيّ – السوريّ. وفي الوقت نفسه، فإنّه يبدي رفضاً لكلّ تنازل ومساومة، على ما دلّت تجربتاه مع الأردن (إحراق الكساسبة) ومع مصر (ذبح المواطنين الأقباط في ليبيا). وفي هذا جميعاً، يهشّم السياسة كمبدأ وممارسة، هي التي مكثت طويلاً بوصفها خداعاً و»ألاعيب» زائفة أو مؤامرات لا تتعب. وهو، إلى ذلك، ذو قدرات تقنيّة تنمّ عنها الصورة والفيلم وأدوات التواصل الاجتماعيّ والمجلّة وإجادة اللغات الأجنبيّة، ما يوحي بالاستحواذ على «الحضاريّ» و»المتقدّم»، بالمعنى الذي تستحوذ فيه إيران على «التقنيّة».

ثمّ إنّ «داعش» يجمع بين الطوبى والواقع المتجسّد في سلطة قائمة. وهو حين أزال من اسمه التحديد المكانيّ (العراق والشام)، سمّن طوباه ذات الطابع الإطلاقيّ بقدر ما عزّز سلطته وتأثيره على بقاع جغرافيّة أكبر.

وما هو أهمّ من ذلك كلّه، تعريف «داعش» الأساسيّ، بوصفه طرفاً طالعاً من المجتمع، أي أنّه صعبٌ على التأويل المألوف بالردّ إلى وحشيّة نظامٍ بات وصفه بالوحشيّ في غاية العاديّة.

هكذا، تحاول الذهنيّة التآمريّة في تعقّلها لـ «داعش»، أن تعيده إلى حيث يسهل تأويله، بحيث يعاود الاندراج في المألوف. فهو مرّةً صنيعة أميركا والصهيونيّة، وقد سبق أن راجت ترّهات منها ما نُسب إلى هيلاري كلينتون من أنّ أميركا صنعت «داعش». وهو مرّة أخرى صنيعة النظام السوريّ، علماً أنّ الأخير أطلق فعلاً مساجين تكفيريّين من سجونه، كما امتنع عن قصف مناطق لهم، إلاّ أنّ المارد البشع أكبر كثيراً من أن يحتويه قمقم النظام السوريّ أو أيّ نظام آخر.

والحال أنّ هذه الروايات التآمريّة التي ترفع المسؤوليّة عن المجتمع ذاته، تكاد تكون الوجه الآخر للروايات التي تدين المجتمع إدانة إطلاقيّة من دون تمييز.

يبقى أنّه لا داعي للمفاضلة بين إرهاب رسميّ لم يعد يثير الإبهار وإن كانت ضحاياه في تصاعد، وإرهاب يملك طاقة متعاظمة على الإبهار، من غير أن تحول محدوديّة ضحاياه العدديّة دون فداحة عدوانه على مسلّمات وثوابت متمدّنة. فلتُترك مفاضلة كهذه لسياسات دوليّة يصفها البعض بأنّها خرقاء، والبعض الآخر بأنّها مشبوهة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا مفاضلة بين إرهابين لا مفاضلة بين إرهابين



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon