ذاكرة العراق المُرّة

ذاكرة العراق المُرّة

ذاكرة العراق المُرّة

 لبنان اليوم -

ذاكرة العراق المُرّة

حازم صاغية

تحفل الذاكرة العراقيّة، أقلّه في العقود الممتدّة منذ مطالع الستينات، بكثير من المرارات التي تتكرّر بصور وأسماء مختلفة، تاركةً هذا المسار التكراريّ، والمتصاعد، يقضم كلّ احتمال مستقبليّ.

ولربّما كان آخر هذه المرارات المستعادة أنّ نوري المالكي حين تولّى الحكومة خلفاً لإبراهيم الجعفري، إنّما صُوّر ممثّلاً للاعتدال والاستعداد للانفتاح على الآخر السنّيّ والكرديّ. بعد ذاك، تقمّص المالكي نفسُه روحَ الجعفري الموصوف بالضيق والتطرّف، ليظهر حيدر العبادي متقمّصاً روح المالكي الأوّل.

وإذا صحّ أنّ الذكرى تنفع، فإنّ التذكّر قد لا يعمل اليوم لصالح العبادي، خصوصاً أنّ ريح الطوائف والمصالح الإقليميّة، في العراق وفي عموم منطقة المشرق، تغلب دائماً ريح الأشخاص وما يشاع عن نيّات حسنة لديهم.

بيد أنّ التذكّر يردّنا بضع سنوات إلى الوراء، إلى 1963 تحديداً. يومذاك أنشأ البعثيّون، إثر انقلابهم العسكريّ على ديكتاتوريّة عبد الكريم قاسم، ما عُرف بـ «الحرس القوميّ»، وهو ميليشيا مسلّحة موازية للدولة، متأثّرة بخليط من الأفكار الفاشيّة واليساريّة الشعبويّة، تهيمن عليها قيادة الحزب في صورة مباشرة.

وشيئاً فشيئاً، وفي ظلّ تمادي «الحرس القوميّ» في انتهاكاته، تعاظم الخلاف بينه وبين الضبّاط البعثيّين أنفسهم. فهؤلاء أحسّوا أنّهم يدفعون كلفة الازدواج السلطويّ من دورهم وهيبتهم، وأنّ ما يدفعونه لا تكفي لردعه، بحال من الأحوال، وحدة مفترضة في العقيدة البعثيّة. هكذا انقلب الرفاق الضبّاط، بعد أشهر قليلة، على الرفاق «الحرسيّين»، وأسلموا رقابهم لعبد السلام عارف، عدوّ الطرفين، «درءاً للفوضى».

والازدواج، اليوم، مع «الحشد الشعبيّ»، أكبر كثيراً ممّا كان في 1963، كما أنّه أوثق ارتباطاً بمجاري السياسات الإقليميّة والدوليّة. إلاّ أنّه، وهذا هو الأخطر، لا يحضّ في مطالعة التاريخ إلاّ على استرجاع ابن خلدون وهو يتحدّث عن دولة كدولة بني بويه داخل دولة بني العبّاس.

وهو ازدواج يجلوه تحرير تكريت راهناً من «داعش»، بالتركيب العدديّ للمحرِّرين كما بتراتُب السلطات التي يتقاسمونها، ولكنْ أيضاً بتذمّر الدول الغربيّة والقيادات السنّيّة العراقيّة من تسليح الشيعة من دون تسليح السنّة الذين سبق لهم أن قاتلوا «القاعدة». ولم يتردّد مقتدى الصدر نفسه في أن يضمّ صوته إلى أصوات سنّيّة في التحذير من أعمال الثأر والانتقام. وكلّ من يتذكّر الظروف التي أحاطت بإعدام صدّام حسين، لن تفوته الرمزيّة التي يحملها وصول المسلّحين إلى بلدة صدّام وإلى قبره.

لكنّ تحرير تكريت، المهدّد بأن ينقلب غزواً يشرف عليه الجنرال والنجم الإيرانيّ الصاعد قاسم سليماني، ليس أكثر من تجلٍّ أو تعبير عن استحالة الدولة وواحديّة قرارها في العراق. فما بين «الحشد الشعبيّ» المتضخّم في الداخل العراقيّ، وإيران «الإمبراطوريّة» في الخارج، والاستنكاف السنّيّ – الكرديّ عن هذه الدولة مقابل استنكافها عنهم، يتراءى كأنّ الحرب الأهليّة المفتوحة هي أفق العراق الأوحد، بغضّ النظر عن عدد الطائرات الأميركيّة التي تحلّق في الجوّ، كما بغضّ النظر عن «داعش» هذه وما قد يرثها من «دواعش».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة العراق المُرّة ذاكرة العراق المُرّة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon