المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق

المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق

المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق

 لبنان اليوم -

المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق

حازم صاغية

تتضافر الأسباب والعوامل التي توحي أنّ المنطقة العربيّة إنّما تتّجه نحو فرز مطلق لا تجاوره أيّة مساحة من مساحات الاشتراك والتواصل. وبلوغ فرز كهذا إنّما يتّسم بسمات في عدادها انتقال النزاعات من نزاعات هدفها الاستحواذ إلى أخرى هدفها التدمير. وهو ما يعبّر عنه التمييز الإنكليزيّ بين civil wars وuncivil wars. كذلك يتعفّف الصراع، في ظلّ الفرز المطلق، عن كلّ سياسة، بحيث لا يعود الخصم راغباً في تفتيت جبهة خصمه وفي كسب ما يمكن أن يكسبه منها، بل يصير مهتمّاً فحسب بتوحيد الخصم في مواجهته. وغنيّ عن القول إنّ قوى حادّة في لونها الدينيّ أو المذهبيّ، كـ «داعش» و «النصرة» و «حزب الله» والحوثيّين، أدوات نموذجيّة في إحداث فرز مطلق تكمن مقدّماته في تكوين تلك القوى وفي توجّهاتها.

والمسار العامّ هذا إنّما نراه اليوم في العراق في أوضح أشكاله. يكفي مثلاً أن تُحمّل عشائر الأنبار مسؤوليّة المذبحة التي أنزلتها «داعش» بأفراد عشيرة البونمر للحكومة المركزيّة في بغداد. ذاك أنّ الأخيرة، كما ترى عشائر الأنبار، لم تستجب نداء عشيرة البونمر وطلبها السلاح والرجال. وتمضي عشائر الأنبار محذّرةً من سقوط مدينة الرمادي في يد «داعش» بسبب استمرار النهج الرسميّ ذاته.

فإذا صدقت رواية العشائر كان المعنى أنّ الحكومة، التي يسيطر عليها طرف شيعيّ، لا تحتمل وجود طرف سنّيّ قويّ، مفضّلةً احتكار عدوّتها «داعش» للقوّة والبأس. وما قد يعزّز الرواية هذه ماضي العلاقة بين نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق ورفيق حيدر العبادي في حزب «الدعوة» الشيعيّ، و «الصحوات» السنّيّة التي سبق أن حاربت «القاعدة» في العراق قبل أن تتّهم المالكي بإضعافها وتشتيتها.

وفي لبنان شيء من هذا. ذاك أنّ ضجيج «حزب الله» في موضوع «داعش» والتخويف منه لا يترافق مع أيّ سلوك فعليّ يقوّي ما يسمّى «الاعتدال السنّيّ». فكأنّ ثمّة رغبة في أن يكون العنف المحض شكل التعامل الوحيد مع البيئة السنّيّة بما يقضي على ذاك «الاعتدال» ولا يدفعها إلاّ إلى... «داعش».

وتقدّم الحرب الغرائبيّة الراهنة على الإرهاب مساهمتها في بلورة الفرز المطلق هذا. إذ بينما الطائرات تقصف من الجوّ (هل ما زالت تقصف؟) تستولي «جبهة النصرة» على معظم ريف إدلب وتنهار أمامها الجبهات التي تجد من يصفها بـ «الاعتدال».

أمّا المساهمة الإسرائيليّة فيُعتدّ بها هي الأخرى. ذاك أنّ تعاظم الاستيطان والاستفزاز في الآونة الأخيرة كافٍ للإيحاء بأنّ تل أبيب إنّما تريد أن تجتثّ الاعتدال الفلسطينيّ سياسيّاً، وأنّها لا تريد من الفلسطينيّين إلاّ أن ينتفضوا انتفاضة ثالثة هي الخيار الوحيد المتروك لهم. ومن يذكر كيف نجحت الدولة العبريّة في دمج الانتفاضة الثانية بإرهاب «القاعدة» بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لا يستبعد وجود ما يغري الإسرائيليّين بانتفاضة فلسطينيّة جديدة يسهل ردّها اليوم إلى «داعش» و «النصرة» أو ما قد يماثلهما.

وعلى هذا النحو تمضي المنطقة ونمضي إلى أن يقضي الله أمراً!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق المنطقة إذ تمضي نحو الفرز المطلق



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon