انتصار لبناني جديد

انتصار لبناني جديد...

انتصار لبناني جديد...

 لبنان اليوم -

انتصار لبناني جديد

بقلم:حسام عيتاني

انتصر لبنان، إذن، وفَرَض على العدو الإسرائيلي القبول بوجهة النظر القائلة إن الخط البحري 23 هو الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخاصة. الانتصار اللبناني ينقصه حتى الآن تفصيل صغير ليدخل لائحة الإنجازات الكبرى للعهد ورئيسه ومقاومته: أن تعترف إسرائيل به.
تثير السأم رواية تبدل مطالب لبنان الناتجة عن قلة كفاءة ممثليه ودخول الانتهازية عنصراً مقرراً لمساحة منطقته الاقتصادية ومحاولات مقايضة تأييد الموقف الأميركي للمطالب اللبنانية بمكاسب سياسية داخلية لهذا الفريق أو ذاك. سأم يُدرك المصابون به أن المسألة ستنتهي «بانتصار» آخر للمنظومة الحاكمة ولحماتها، بغض النظر عن الخط البحري الذي سيرسو عليه البازار اللبناني - الأميركي - الإسرائيلي.
فليس في جعبة من يحكم لبنان من علاج لانهيار الدولة وتفكك المجتمع وموت الاقتصاد والتعليم، سوى تسويق الأوهام والأضاليل عن انتصارات غير قابلة للصرف ولا للتحول إلى حقائق ووقائع في المستقبل المنظور. كذبة كبيرة أخرى أضيفت إلى سلسلة طويلة من نظيراتها التي يطلقها السياسيون اللبنانيون على مواطنين مكلومين وعلى استعداد للتعلق بحبال الهواء علها تخفف عنهم آلام العيش اليومي بين أنقاض ما كان وطناً.
بكلمات ثانية، يحجب حال لبنان اليوم أي قيمة لاعتماد الخط 29 الذي طالبت به السلطة اللبنانية مدة من الزمن قبل أن تتخلى عنه، أو القبول ببديله الخط 23 المائل أكثر نحو الشمال والذي يقول نقاده إنه يترك مئات الكيلومترات المربعة من المياه التي تخفي تحتها نفطاً وغازاً، لإسرائيل. تَسَاوي الخطين في القيمة بالنسبة إلى لبنان الحالي، يرتكز على انعدام قدرته على الاستفادة من أي منهما. فلا يبقى من إبلاغ الموفد الأميركي عن تمسك لبنان بالخط البحري 23 سوى زجليات البطولة الوهمية والفوز الكبير وسط الخواء واللامعنى. دورة كاملة من المواقف العدمية يسعى أصحابها إلى ستر فضيحة الوضع الذي يستندون إليه أثناء جلوسهم إلى طاولة المفاوضات.
الانتقال من مهرجان الانتصار اللفظي إلى الاستخراج العملي لما يختزنه البحر من ثروات قبالة الشواطئ اللبنانية، يتطلب أعواماً من العمل مع الشركات المتخصصة وإجراءات معقدة وتدابير ميدانية، أنجز بعضها في الأعوام الماضية لكن من دون وجود أي ضمانات بأن الغاز والنفط موجودان حقيقة في البحر، على ما دلت عليه تجربة البحث في البلوك رقم 4 سنة 2020 التي انتهت بتقرير من الشركة المنقبة يقول إن استخراج كمية الغاز الكامنة هناك، ليس ذا جدوى اقتصادية.
بيد أن «تفاصيل» وصغائر كهذه لم تردع الجماعة الحاكمة عن ابتكار المزيد من القصص الخيالية، الأكثر رواجاً من بينها تلك المتعلقة بحقل غاز طبيعي اختير له اسم «قانا» على اسم القرية الجنوبية التي يقول الإنجيل إن يسوع المسيح حقق فيها أولى معجزاته والتي ارتكبت إسرائيل فيها مجزرة دموية في 1996. ما من بحث واحد يتمتع بالجدية والمصداقية يجزم بوجود الغاز في هذا الحقل المتخيل. وليس بين المصادر المتوفرة، باستثناء بعض الخرائط التي خطها هواة على برامج «الفوتوشوب»، مما يؤكد أن ثمة غازاً قابعاً في الحقل المذكور. ويحتاج الأمر إلى معجزة كبرى لتتحول أوهام المبشرين بحقل «قانا» إلى حقائق مادية.
لكن المهم ليس وجود أو غياب النفط والغاز تحت المياه اللبنانية. المهم في عرف السلطة اللبنانية هو القدرة على بيع جلد الدب قبل صيده وإعادة بيعه إلى كل من تبدو عليه سمات البراءة والحاجة والفقر. الأمين العام لـ«حزب الله» ربط بين خلاص لبنان من نكبته الاقتصادية وبين استخراج النفط والغاز، بل حدد مبلغاً بالدولار الأميركي سيناله كل مواطن لبناني عند تدفق النفق من البحر. هذا كلام في الهواء. ذاك أن صناعة كبيرة مثل الوصول إلى المكامن البحرية واستغلال الثروة النفطية والغازية تحتاج إلى أكثر من «إطلالة تلفزيونية» وما يزيد كثيراً على بعض التغريدات المهللة للمواقف الشجاعة للرئيس ميشال عون وأصحابه ومستشاريه.
وإذا وضعنا جانباً مجموعة الشركات الوسيطة التي ستؤدي دوراً لا لزوم له بين شركات الاستخراج والتنقيب الأجنبية وبين الدولة اللبنانية، هذه الشركات التي أسستها أطراف الجماعة الحاكمة قبل أكثر من سبع سنوات وكانت جزءاً من التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى قصر بعبدا، ويتلخص دورها في ضمان استيلاء الطبقة السياسية اللبنانية على الحصة الأكبر من الثروة النفطية قبل وصول ما يتبقى من فتات إلى الخزينة العامة، إذا وضعنا جانباً هذه الشركات الطفيلية، فلن نجد سوى آلية التحاصص والتناهب اللبنانية التقليدية لاستغلال هذه الثروة، بل حتى كل محاولة لإنقاذ لبنان.
فالمشكلة ليست في الخط 23 أو 29. ولم تكن يوماً كذلك. فهذه زوبعة من غبار أثارها عدد من المزايدين والمناقصين في سوق الأوهام والخيالات. بل هي في التصور اللازم لإدارة المال العام وتنظيم استثماره والجهة التي ستجني الأرباح منه: أهو مجموع اللبنانيين الذين تمثلهم دولة بحد أدنى من الفساد - أو فلنقل دولة تعاني من فساد لا يؤدي إلى شللها - وتضع فكرة المصلحة العامة كهدف أسمى لها؟ أم رهط المنتفعين الذين قادوا لبنان إلى دماره وصعدوا على تلة أنقاضه يبحثون عما تبقى مما يستحق البيع؟
الصورة اليوم لا تقول إن اللبنانيين، بعمومهم وبمن يمثلهم من قوى التغيير بعد تكريس الانتخابات النيابية الأخيرة للتقاسم المعهود، وبموازين القوى الاجتماعية والسياسية، ليسوا بقادرين على استرجاع ثرواتهم ولا على تنظيم شؤونهم خارج عملية تقاسم الغنائم والأنفال المرعية الإجراء منذ عقود. أما الكلام عن ثروات في البحر سيأتي استخراجها بالرفاه والبحبوحة، فمجرد مزاح سمج مثل أهله.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصار لبناني جديد انتصار لبناني جديد



GMT 19:57 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 19:54 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 02:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

GMT 02:12 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

من مونيكا إلى ستورمي

GMT 02:08 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الذكاء الاصطناعي يتحدى إيمانويل كانط

نانسي عجرم تتألق بالأسود في احتفالية "Tiffany & Co"

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 11:09 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 13:32 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 17:30 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن

GMT 19:00 2022 السبت ,14 أيار / مايو

موضة خواتم الخطوبة لهذا الموسم

GMT 04:58 2022 الإثنين ,18 تموز / يوليو

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 12:27 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 15:46 2022 الأحد ,01 أيار / مايو

مكياج ربيعي لعيد الفطر 2022

GMT 09:02 2022 الخميس ,05 أيار / مايو

لمسات ديكورية مميزة للحمام الصغير

GMT 05:47 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 22 أبريل / نيسان 2024

GMT 20:37 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

مجموعة من افضل العطور الشرقية النسائية لشتاء 2021

GMT 07:00 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

أفضل 5 مطاعم عربية يمكنك زيارتها في برلين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon