ليو وأتيلا العصر الحديث

ليو وأتيلا العصر الحديث

ليو وأتيلا العصر الحديث

 لبنان اليوم -

ليو وأتيلا العصر الحديث

بقلم : أمير طاهري

ما إن أنهى الكاردينال روبرت بروفوست، الذي أصبح حديثاً البابا ليو الرابع عشر، خطابه أمام الحشود في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، حتى تحوّل إلى ما يشبه ورقة بيضاء، يمكن لجماعات المصالح والضغط، بمختلف مشاربها، أن ترسم عليه الصورة التي ترغبها.

وبالنظر لأننا أصبحنا معتادين على نمط جديد من الصحافة، فلنُسمِّها صحافة «ما قد يكون»، مقارنة بـ«ما حدث بالفعل». وفي إطار هذا النمط الجديد، تحلّ التوقعات، إن لم نقل الخيالات، محل نقل الحقائق.

لذا سرعان ما سمعنا من يقول إن ليو الرابع عشر سيمضي في الطريق نفسه الذي رسمه البابا فرنسيس بدعمه للقضية الفلسطينية، وتفهمه «لأنماط الحياة البديلة»، ودفاعه عن الفقراء والمهاجرين غير الشرعيين، وموقفه المناهض لترمب ـ باختصار - بابا «ووك» (في إشارة لحركة النهضة اليقظوية الحديثة) بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

من ناحيته، أشار أحد أبرز حلفاء ترمب الكاثوليك، ستيف بانون، إلى ليو باعتباره «أسوأ اختيار للكاثوليك المؤيدين لترمب»، وصوّره على أنه «البابا المناهض لترمب».

على الجهة المقابلة، حاول محترفو الترويج لأفكار «الووك»، نزع الصبغة الأميركية عن ليو الرابع عشر بكل وسيلة ممكنة. في فرنسا مثلاً، أشاروا إلى أن اسم عائلته «بروفوست» من أصل فرنسي، وبالتالي فلا بد أنه من أصول فرنسية. إلا أنهم نسوا أن الكلمة نفسها من أصل لاتيني، وبالتالي قد يكون ليو من أصل إيطالي كذلك.

كما بالغ بعض المعلقين في التحليل، مدعين أن للبابا جواز سفر بيروفياً إلى جانب جوازه الأميركي. وقد نسوا أنه يحمل جواز سفر الفاتيكان كذلك. وبما أن البيرو تقع في القارة نفسها التي تنتمي إليها الولايات المتحدة، فإن جواز سفره البيروفي يجعله أكثر «أميركية» لا أقل.

على الجهة المقابلة، في محاولة لاحتواء ليو ضمن خيالاتهم «الووكية»، أعلن بعض من يحنّون إلى عهد فرنسيس أن ليو سيتحلى بالتواضع، وأن لاهوته سيركّز على الفقراء والمهمشين. إلا أن التساؤل هنا: ألم يكن يسوع نفسه في صفّ الفقراء والمهمشين؟ ألم يكن متواضعاً لدرجة أنه غسل أرجل تلاميذه؟

كما ظهر كاريكاتير يصوّر البابا الجديد كأنه راعي بقر في مواجهة مسلحة مع دونالد ترمب، ولم يكن مضحكاً على الإطلاق.

علاوة على ذلك، جرى تصوير ليو الرابع عشر باعتباره مدافعاً عن المهاجرين غير الشرعيين، لأنه، عندما كان كاردينالاً، زار جزيرة لامبيدوسا في صقلية، وصلّى من أجل المهاجرين غير الشرعيين القادمين إليها. الآن، دعونا ننحي جانباً كل التكهنات حول «ما قد يكون» وننظر إلى ما حدث فعلاً.

في أول ظهور له باعتباره البابا الجديد، خرج ليو الرابع عشر إلى شرفة الفاتيكان، مرتدياً الزي البابوي الكامل، في تباين ملحوظ مع سلفه الذي اختار اللباس الكهنوتي الأبيض البسيط. كذلك، استعان ليو باللغة اللاتينية في كلماته الافتتاحية، قبل أن ينتقل إلى اللغة العامية، بعد أن أكد على مكانة اللغة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية.

كما أطلق البابا ليو الرابع عشر بدوره، نصائح ضد الخطاب الصاخب، الذي يعد سمة بارزة في الحركة «الووكية». وتجلى التزام ليو نهج أوغسطين في الدعوة إلى التعبير الهادئ المتأني، في قوله: «لسنا بحاجة إلى تواصل صاخب وقوي، بل إلى تواصل قادر على الإصغاء، وتوحيد أصوات الضعفاء الذين لا صوت لهم».

حتى الآن، حاول البابا الجديد أن يركز على السلام باعتباره رسالة جوهرية لكنيسته، وأعلن استعداده لتوسيع دائرة الحوار بين الأديان، بما في ذلك الإسلام واليهودية، علاوة على قبوله الدعوة لزيارة أوكرانيا التي تمزقها الحرب. وكانت أولى كلماته للعالم بصفته بابا هي: «السلام عليكم جميعاً»، ودعا إلى «سلام منزوع السلاح، وسلام ينزع السلاح».

في الواقع، أي مراقب خارجي، ليس مسيحياً ولا من أنصار حركة «الووك»، لن يجد صعوبة في إدراك أن الطرفين لا يمكن أن يلتقيا، وأن اختزال البابا في صورة مجرد نجم شهير يدافع عن «القضايا الجيدة» - على طريقة أنجلينا جولي أو ليوناردو دي كابريو - إنما يُسيء إلى الكنيسة وإلى مثل هذه القضايا، سواء كانت حقيقية أو متخيلة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن البابا ليو الثالث عشر اشتهر بدعمه لحقوق العمال في تأسيس النقابات والمطالبة بتحسين ظروف العمل والأجور العادلة، لكن من خلال الحوار والتنمية الاجتماعية، لا عبر الصراع الطبقي، الذي كان يدعو إليه الماركسيون آنذاك.

أما البابا ليو الأول، فقد أعلن قديساً لأنه، حسب الروايات أو الأساطير، التقى أتيلا الهوني وأقنع ذلك الغازي المتوحش بالامتناع عن تدمير روما. واليوم، قد يقف ليو الرابع عشر في مواجهة «أتيلا» من نوع جديد، ممثلاً في الحركة «الووكية»، التي تحاول إعادة كتابة التاريخ، وإعادة تعريف الإيمان، وإعادة تشكيل العالم باسم قضايا نبيلة زائفة.

وفي مواجهة هذا التحدي، قد يحتاج ليو الرابع عشر إلى ما هو أكثر من صلاة القديس ميخائيل التي أوصلت ليو الأول إلى مرتبة القداسة.

من جهته، أوكل البابا الراحل فرنسيس إلى مجموعة من الكرادلة إعداد مراجعة شاملة لموقف الكنيسة الحالي، واقتراح الإصلاحات والمبادرات اللازمة لمواجهة المستقبل. ومن المتوقع أن ترفع هذه اللجنة تقريرها، في وقت لاحق من هذا العام، ما يمنح البابا الجديد فرصة لتحديد ملامح حبريته، ونوع الكنيسة التي يطمح إلى قيادتها، ربما لعقود مقبلة.

حتى ذلك الحين، من الحكمة أن نتمسك بنهج الصحافة التقليدية - التي تنقل ما يحدث فعلاً - بدلاً من أن ننساق وراء تصوراتنا عمّا نود أن يحدث.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليو وأتيلا العصر الحديث ليو وأتيلا العصر الحديث



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon