تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف»

تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف»

تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف»

 لبنان اليوم -

تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف»

بقلم : أمير طاهري

سيصبح أي حاكم ناجًحا لو أنه علم أمرين فحسب؛ أولهما: متى ينبغي عليه التحرك، وثانيهما: متى ينبغي عليه الوقوف دون حراك. وردت هذه العبارة في نص فارسي كلاسيكي بعنوان «مارزبان نامه»، أحد الكتب الكثيرة المشهورة داخل العالم الإسلامي منذ العصور الوسطى، ويعرف بالعربية باسم «مرآة الملوك». ويحاول الكتاب توجيه الحاكم بخصوص كيفية الاضطلاع بشؤون البلاد.

وصيغت الفكرة ذاتها بنبرة أكثر طرافة على لسان غايوس أوكتافيوس، المعروف باسم أوغسطين، الإمبراطور الروماني الوحيد الذي نجح في الاستمرار في الحكم لقرابة ثلاثة عقود سادها الهدوء. وكان شعاره: «لا تتعجل في عمل شيء» و«تعجل ببطء»!

وسيكون من الأفضل أن يضع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هذه النصيحة نصب عينيه، في نسختيها الفارسية والرومانية. بعد أن نجا من محاولة انقلاب الشهر الماضي تعرضت للإجهاض، الآن يبدو إردوغان أقرب عن أي وقت مضى من تحقيق هدفه الأكبر المتمثل في تدشين حقبة عثمانية جديدة يصبح فيها رأس السلطة.

جدير بالذكر أن الحاكم العثماني تقلد مجموعة متنوعة من الألقاب، فقد كان «خاًنا» أو «خاقاًنا» لأبناءعشيرته من الأتراك، و«خليفة» لرعاياه من المسلمين السنة، و«سلطاًنا» لمن يتولون إدارة الأجهزة البيروقراطية والعسكرية بدولته، و«باشا» رعاياه من الناطقين بالفارسية، و«قيصًرا» للرعايا المسيحيين بالإمبراطورية.

إلا أن الأمر الوحيد الذي لم يكن منطبًقا عليه هو لقب الحاكم المستبد، ذلك أنه لم يكن بمقدور الحاكم العثماني فعل ما يحلو له. وتكشف التقارير الصادرة عن مبعوثين غربيين وتجار على امتداد أكثر من قرنين أن الخان ­ الخليفة ­ السلطان ­ الباشا ­ القيصر العثماني مارس سلطة أقل بكثير عما فعله نظراؤه بدول أوروبية، مثل سلسلة الملوك الذين حملوا اسم لويس في فرنسا آنذاك.

كما أن مسار العمل الذي فضله معظم الحكام العثمانيين كان تجنب اتخاذ أي إجراء. وحسب اعتقاد علي شير نوائي، الشاعر التركي العظيم، فإنه ينبغي علينا تجنب فعل الأمور التي يتعذر التراجع عنها. وعندما يتعلق الأمر بحاكم إمبراطورية كبرى، فإن هذا الأمر الذي يتعذر التراجع عنه قد يصبح أمًرا هائلاً للغاية. ومنذ محاولة الانقلاب التي باءت بالفشل، يتصرف إردوغان على نحو جعله أشبه بوحش مجروح يتحرك في كل اتجاه ويهاجم كل من تقع عليه عيناه ويقاتل أشباًحا في الظلام.

إن إردوغان بحاجة حقيقية للسيطرة على نفسه، على الأقل لأن تركيا، للأسف، بحاجة إليه الآن باعتباره آخر الخيارات داخل موقف يسوده الاضطراب والتوتر.

وأول ما يتعين على إردوغان عمله التقاط نفس عميق، باعتبار أن التنفس أحد الأمور التي لاُينصح أي حاكم بتجنب فعلها. وبعد ذلك، عليه استعادة الانضباط داخل معسكره.

الملاحظ أن الكثيرين للغاية داخل معسكره، بدًءا من زوج ابنته وكبار قيادات حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه إردوغان، يطرحون عدًدا هائلاً من المؤامرات لدرجة تجعل من العسير معرفة حقيقة ما حدث. ولا يمكن طرح رواية مقبولة على نطاق واسع بخصوص ما حدث إلا من خلال إجراء تحقيق حقيقي من قبل مجموعة لا تنتمي لحزب بعينه ومن دون أية مصالح شخصية.

والملاحظ أن الإجراءات التي جرى اتخاذها في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة تسببت بالفعل في أضرار بالغة للسياسات التركية الخارجية والداخلية.

في الوقت الذي تلقي بعض الشخصيات الكبرى داخل معسكر إردوغان علانية اللوم على الولايات المتحدة عن محاولة الانقلاب، فإن آخرين يطالبون واشنطن بترحيل فتح الله غولن، المنفي الذي يجري تصويره باعتباره العدو رقم واحد لإردوغان.

ومن بين تداعيات محاولة الانقلاب توجيه اتهامات لدول عربية بدعم الانقلاب الفاشل. وقد لمح السفير التركي في طهران مؤخًرا إلى أن تركيا وروسيا وإيران تشكل تحالًفا ثلاثًيا «لتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط».

اللافت للنظر أنه يوم وقوع الانقلاب نشرت صحيفة «كيهان» اليومية التي تعكس وجهة نظر المرشد الأعلى علي خامنئي، مقالاً افتتاحًيا بدا وكأنه يرحب بالحدث باعتباره مؤشًرا على أن «النموذج الأتاتوركي» أخفق، مما يترك أمام الإسلام خياًرا واحًدا فحسب يتمثل في «النموذج الخميني».

والملاحظ أنه على مدار الأسبوعين الماضيين، استمعنا وقرأنا الكثير للغاية من التصريحات المتعارضة لدرجة أننا لم نعد واثقين من ماهية السياسة التركية حيال قضايا محورية، مثل الحرب في سوريا والعراق، وكيفية استيعاب اللاجئين السوريين، والاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بخصوص طالبي اللجوء السياسي، والتوترات في العلاقات مع روسيا، ناهيك بالعلاقات المتقلبة صعوًدا وهبوًطا مع إسرائيل.

من جانبه، يتعين على إردوغان السعي نحو إقرار وقف إطلاق نار من جانب معسكره، وربما عليه البدء بإصدار بيان يشدد على أن الانقلاب الفاشل لا يشكل بداية حقبة جديدة تتلاشى فيها السياسات والتحالفات التركية القائمة منذ عقود.

الواضح أن الانقلاب الفاشل أمد إردوغان بفرصة غير متوقعة للظهور في مظهر الضحية والمنقذ في الوقت ذاته. ومن المعتقد أن إردوغان سيبقى العنصر الأساسي الفاعل بالمشهد السياسي التركي على مدار السنوات الثلاث أو الأربع القادمة.

وبعد محاولة الانقلاب، تعرضت المعارضة التي يتزعمها غولن لهزة عنيفة، وربما جرى اجتثاث جذورها من البلاد، ومن غير المحتمل أن تعاود الظهور كمصدر تهديد في الوقت الراهن لإردوغان. أما الصدوع التي ظهرت في جدار حزب العدالة والتنمية، جرى رأبها، على الأقل في الوقت الراهن الأمر الذي يحمي إردوغان من التعرض لطعنة في الظهر. ونظًرا لتفاجئها بالأحداث، فإن أحزاب المعارضة المشاركة في البرلمان بحاجة إلى بعض الوقت لمراجعة مواقفها وطرح بديل مقبول لإردوغان وحزب العدالة والتنمية.

ربما راود إردوغان حلم إقرار نظام الحزب الواحد مع وجوده هو على قمته، إلا أن هذا الأمر من المستحيل تطبيقه الآن لأنه سيكون بمثابة رصاصة الرحمة في قلب الاقتصاد التركي المعتل بالفعل، لما سيترتب على ذلك من اختفاء للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتجمد الروابط التجارية المتطورة بسرعة الآن مع أوروبا وأميركا الشمالية.

أما ما يمكن لإردوغان فعله فهو بناء نظام يقوم على «حزب ونصف الحزب»، بحيث يقر في إطاره حزب العدالة والتنمية الأجندة لباقي سنوات العقد الحالي، بينما توفر أحزاب المعارضة «النصف» اللازم للحفاظ على مظهر الديمقراطية البرلمانية.

جدير بالذكر أن نظام «الحزب ونصف الحزب» ليس بالأمر غير المسبوق، حيث طبقته المكسيك من قبل على مدار نصف قرن. كما تعايشت مع اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، علاوة على كونه النموذج الذي يفرضه الرئيس فلاديمير بوتين على روسيا.

الأمر المؤكد هنا أن الانقلاب الفاشل أعاد الديمقراطية التركية إلى الوراء لعقد على الأقل، لكن لو كان كتب له النجاح لكان تسبب في انتكاسة أطول وأعمق.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف» تركيا تتحرك باتجاه نظام «الحزب ونصف»



GMT 16:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 22:40 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

فرنسا: لا «متطرف» بالإليزيه

GMT 13:25 2024 الجمعة ,16 آب / أغسطس

أولمبياد باريس: اليوم التالي

GMT 23:45 2024 الجمعة ,09 آب / أغسطس

إيران... لعبة التحمل والصمود؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon