حق إعلان الجهاد لمن

حق إعلان الجهاد لمن؟

حق إعلان الجهاد لمن؟

 لبنان اليوم -

حق إعلان الجهاد لمن

مأمون فندي
ماذا يعني أن يعلن شيخ، الجهادَ من القاهرة ضاربا عرض الحائط بسيادة الدولة المصرية؟ أولى علامات سيادة الدولة هي انفرادها من دون غيرها على أرضها بقرار الحرب والسلام. هذا القرار في نظام الدول ذات السيادة تملكه الدولة ولا تملكه الجماعات، هذه أولى خصائص الدولة الحديثة التي من دونها ينتفي النظام الدولي الذي أسست له معاهدة وستفاليا 1648. هذه المعاهدة أرست مفهوم سيادة الدولة المطلقة في داخل أراضيها وحقها في التمثيل الخارجي، معاهدة دولية محورية انبثق منها النظام الدولي والعلاقات الدولية والتي تطورت للنظام العالمي الذي نشهده الآن. ومن هنا يكون إعلان الجهاد الذي أصدرته مجموعة في القاهرة تسمي نفسها «علماء الأمة» أمرا شديد الخطورة بالنسبة لمستقبل الدولة العربية الحديثة من عمان إلى المغرب.. إذ ينتقل هنا قرار إعلان الحرب (الجهاد) من قبضة الدول وينتقل إلى الجماعات، وبهذا تنتفي أول أعمدة الدولة وهو السيادة. بداية بالنسبة لمصر يكون السؤال: هل ترهلت الدولة المصرية في عهد الإخوان للدرجة التي تتخلى فيها عن سيادتها في قرار الحرب والسلام؟ ومتى بدأت هذه الظاهرة في النظام الإقليمي العربي؟ وإلى أين تنتهي؟ هل في لحظات الأزمات وغياب الاستراتيجيات تلجأ بعض الدول لحلول نهايتها المنطقية هي أن الدولة تقوض أساسها بنفسها؟ الحالة الواضحة التي انتزعت فيها جماعة مسلحة قرار الحرب والسلم من الدولة وخلخلت أركانها وانتهكت سيادتها هي حالة حزب الله والدولة اللبنانية والتي منذ إعلان حزب الله الحرب على إسرائيل وحتى الآن يبقى قرار الحرب والسلم بيد حزب الله لا بيد الدولة اللبنانية. ومن يومها وحتى الآن تكون الدولة اللبنانية مجرد قشرة مفرغة من أي قيمة من حيث السيادة، وأن وظيفتها لا تتعدى كونها نظاما مدنيا يصدر جوازات السفر، ويدير الوزارات والمستشفيات والمدارس والأمور الخدمية، أما القرارات السيادية فهي في يد حزب الله مباشرة، الحالة الثانية التي كان فيها قرار الحرب في يد جماعة وقرار السلام في يد جماعة أخرى، كانت حالة الدولة الفلسطينية المحتملة رغم أنها لا تقع ضمن سياق الدول ذات السيادة، ولكنها كانت تطمح لبناء نواة لدولة وطنية ذات سيادة. في الحالة الفلسطينية كان قرار الحرب في يد حركة حماس وكان قرار السلام في يد ياسر عرفات. وبالطبع من يملك قرار الحرب قادر على فرملة أو إيقاف قرار السلام. ويستمر الحال إلى الآن. إذن إسرائيل وأميركا ومصر كلها دول ترى أن حماس هي اللاعب الرئيس في غزة وليس السلطة الفلسطينية الطامحة إلى تمثيل السيادة الفلسطينية. هذا السلوك الحمساوي هو ما يقوض بناء الدولة الفلسطينية وربما يمثل شريكا أساسيا لإسرائيل ليس في السلام، وإنما في القضاء على حلم الدولة الفلسطينية. قرار الحرب والسلام خارج منطقتنا مثلا في مالي انتقل من الدولة إلى جماعة «أنصار الدين»، وهؤلاء مجموعة تتخذ من طالبان أفغانستان نموذجا يحتذى. وطبعا لما تملكت هذه الجماعة من قرار سيادي مثل الحرب والسلام جعلت من مالي اليوم مجرد مستعمرة فرنسية بشكل جديد. إن إعلان الجهاد الذي قرأه محمد حسان نيابة عمن سماهم «علماء الأمة» - لهو بيان خطير يسلب من الدولة المصرية مفهوم السيادة، هذا المفهوم الذي يرتكز أول ما يرتكز على تملك الدولة لقرار الحرب والسلام. ترى ما هي دلالات هذا المسلك على مصر، تلك الدولة الضعيفة مؤقتا والتي تمر بمرحلة مخاض ثوري أو نقاهة ثورية على أحسن تقدير؟ وما هي دلالات هذا السلوك السياسي على بقية الدول العربية التي أصبحت اليوم تحت أي راية ربما تسلم رقابها لجماعات متطرفة أو جماعات لا ترى أن مفهوم السيادة أساسي في عالم العلاقات الدولية؟ جماعات ترى أن الأمة لا الدولة والخليفة لا الرئيس، هو من يجب أن يكون لديه قرار الحرب والسلام. الرئيس ومؤسسات الدولة في هذه الحالة مجرد كومبارس أو ديكور قانوني، ذلك لأن قرار الحرب والسلام اليوم أصبح في يد الجماعات المتطرفة لا الدول. الجماعات ما فوق الدولة مثل جماعة الإخوان المسلمين مثلا، والموجودة في أكثر من ثمانين دولة، تمثل التحدي الأكبر لمفهوم السيادة الوطنية و«تلخبط» أوراق اللعب فيمن يملك قرار الحرب والسلام ومن أي مكان في العالم. نظريا جماعة الإخوان مثل الأخطبوط الدولي الذي لا ندري أين رأسه المدبر وفي أي دولة موجودة بقية أطرافه. نعرف أن لجماعة الإخوان مرشدا عاما في مصر هو الدكتور محمد بديع، ولكن ما الذي يمنع جماعة تبنت العمل تحت الأرض أن يكون لها مرشدان مثلا أحدهما سري والآخر معلن؟ ثم أين يقيم ما يمكن تسميته برئيس أركان الجماعة أو الرئيس التنفيذي أو العضو المنتدب لجماعة الإخوان؟ ومن يؤثر على قراراته إن كنا نتحدث عن تنظيم متمدد في ثمانين دولة وأكثر؟ من يعلن الجهاد؟ ونيابة عمن؟ وأين؟ من الوارد أن إعلان الجهاد في القاهرة كان مجرد مشروع خارجي يمكن تسميته بـ«outsourcing» أو استئجار كومبارس للترويج عن حرب ما في مكان ما. هذا يعني أن قرار الدولة السيادي ليس بيدها. الذي يحرك الجماعة ربما ليس مرشدها في الداخل، ولكن ربما مرشدها في الخارج. ويا ترى من أي جنسية يكون هذا المرشد السري أو الخارجي؟ ويلعب لمصلحة من؟ تخطي الحدود الذي يتباهى به الإخوان ليس أسلوب حكم أو إدارة، بل أسلوب تبعية وسمع وطاعة. الحركات عابرة الحدود ظهرت وتجلت أخيرا في سياق الأزمة السورية على الطرفين سواء في حالة تدخل حزب الله مباشرة في الحرب الدائرة أو في حالة الجيش الحر و«جبهة النصرة» و«القاعدة».. إلخ. هذا التدخل السافر من قبل الحركات المسلحة على حساب سيادة الدولة تكون نتيجته المنطقية نهاية الدولة العربية بمعناها الوطني، ويعني أيضا انهيار النظام الإقليمي وكذلك الأمن الإقليمي القائم. يحدث هذا وتزداد خطورته لأنه في لحظة تخبط احتاج البعض في منطقتنا أن يستخدم حلا تكتيكيا لأزمة إقليمية معقدة مثل سوريا فأدخل نفسه في هذا المحظور الدولي. نعم أدرك بوضوح أنه لا أحد يريد أن تكسر إيران شوكة العرب في سوريا، ولكن ليس هذا يعني أننا نريد مواجهة مع إيران ولا يعني أيضا أننا ننتحر من خلال إطلاق العنان لجماعات خارج الدولة سواء أكان نصر الله من الطرف الشيعي أم جماعات «القاعدة» و«النصرة» وجماعات تختطف القرار السيادي الخاص بالحرب والسلام مثل جماعة القاهرة الجديدة التي سمت نفسها «علماء الأمة». إعلان الجهاد من القاهرة من خلال جماعات خارج إطار الدولة هو عبث خطير يهدد سيادة الدول القائمة ويهدد الأمن الإقليمي. ولن يكون هذا هو الإعلان الأخير من نوعه، فالإعلانات الأخرى قادمة. هذا الإعلان قد يكون جاء من جماعة لك وغدا يأتي من جماعة عليك. ولنتذكر أن معظم ما نعانيه الآن في منطقتنا دولا وشعوبا جاء نتيجة لذلك الإعلان الذي أصدره أسامة بن لادن ومعه أيمن الظواهري عام 1998 من فوق جبال الهندوكوش ضد الصليبيين والصهاينة، تحركت جماعة بن لادن في دولة محرومة في آخر العالم واختطفت سيادتها وقامت بعملية واحدة هي عملية 11 سبتمبر (أيلول) الشهيرة فخلخلت عالمنا كله من أفغانستان إلى العراق. القصة ليست بن لادن ولكنها الخروج على نظام عالمي أساسه الدول لا العصابات والجماعات. نقلا عن جريدة الشرق الاوسط
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حق إعلان الجهاد لمن حق إعلان الجهاد لمن



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon