السودان تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد

السودان... تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد

السودان... تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد

 لبنان اليوم -

السودان تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد

بقلم: عثمان ميرغني

لم تكن الحرب في السودان شأناً داخلياً محضاً منذ بدايتها، بل تجاوزت حدود الجغرافيا لتتحول مع مرور الوقت وازدياد التعقيدات إلى ساحة تتقاطع فيها مصالح دول، وتتصادم فيها أجندات الإقليم والقوى الدولية على حدٍّ سواء. وبينما يدفع الشعب السوداني أثماناً باهظة من دمه وشتاته ومعاناته، تزداد التدخلات؛ بعضها للدعوة إلى وقف النار وتسهيل الدعم الإنساني، وبعضها الآخر لتأجيج الصراع من وراء الستار.

وتبرز تشاد بوصفها أحد اللاعبين في هذا المشهد المعقد، إذ تتأرجح بين موقع الجار المتأثر بالحرب، وموقع الطرف المتورط فيها. فالتاريخ الطويل من التداخل القبلي بين البلدين جعل الحدود أكثر هشاشة. ومع تصاعد العمليات العسكرية في دارفور، باتت الأراضي التشادية معبراً للنازحين تارةً، وللمجندين والسلاح تارةً أخرى.

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، برزت تشاد بوصفها أحد أهم الممرات في المشهد العسكري. فعلى الرغم من إعلانها التزام الحياد، فإن الواقع على الأرض يكشف عن مشهد أكثر تعقيداً. فقد تحوّلت الحدود الغربية للسودان إلى منطقة مفتوحة لعبور المقاتلين والسلاح، وسط اتهامات بتسهيل تشاد لحركة الإمدادات والدعم اللوجيستي لـ«قوات الدعم السريع»، التي تربطها ببعض المكوّنات التشادية والقبلية صلات ممتدة عبر الحدود.

كذلك فإن تشاد، التي تستضيف آلاف اللاجئين من دارفور، باتت تواجه إشكالية مزدوجة: فهي من جهة تتعامل مع أزمة إنسانية هائلة، ومن جهة أخرى يُنظَر إليها على أنها ممر لتغذية الحرب بالموارد والمقاتلين. هذا الواقع الملتبس جعل نجامينا في موضع الاتهام من الحكومة السودانية التي ترى أن حياد تشاد المعلن لا ينسجم مع المعطيات الميدانية.

يصعب فهم الموقف التشادي من الحرب في السودان بمعزل عن التداخلات الأمنية في المنطقة بأكملها. فالحكومة التشادية، التي تواجه تحديات داخلية تتعلق بالاستقرار والانتقال السياسي، تنظر إلى ما يجري في السودان بعين الحذر والمصلحة في آن واحد. فهي قد تجني بعض الفوائد الآنيَّة من الحرب في السودان، حيث يرى بعض صُناع القرار في نجامينا أن استمرار الصراع السوداني قد يمنح بلادهم دوراً إقليمياً أكبر، سواء كطرف مشارك في اجتماعات دول الجوار السوداني، أو كحليف استراتيجي للقوى الغربية الساعية لاحتواء تمدد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي. كذلك تحصل نجامينا، بحسب بعض المزاعم، على مساعدات مالية مقابل استخدام أراضيها لتمرير الإمدادات لـ«الدعم السريع».

في هذا الصدد أشارت تقارير عدة إلى أن قاعدة أم جرس في شرق تشاد كانت نقطة محورية في شبكة الإمداد لـ«قوات الدعم السريع».

لكنَّ هذا التورط التشادي في حرب السودان ليس بلا تكلفة لها. فحكومة الرئيس محمد إدريس ديبي تخشى من تأثيراتها على وضعها الداخلي الهش، لا سيما بالنظر إلى تداعياتها على الجماعات المسلحة أو القبائل التي تتقاطع ولاءاتها بين البلدين. فخلال هذا الأسبوع تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثِّق دخول مجموعات من مجندي «الدعم السريع» بسيارات الدفع الرباعي المسلحة إلى الأراضي التشادية هاربين من معارك دارفور. كذلك تناقلت الوسائط تصريحاً منسوباً إلى الرئيس ديبي يُحذر فيه من انتشار عناصر وسيارات مسلحة تحمل رايات «قوات الدعم السريع» في مناطق شرق تشاد. تَرافق ذلك مع تقارير عن حركة أعداد من الوافدين من عرب الصحراء الأفريقية، الذين يدعمون «قوات الدعم السريع» وتقاتل أعداد منهم في صفوفها.

هذه التقارير تشكل قلقاً متزايداً في نجامينا من التورط في الحرب السودانية، لا سيما مع ازدياد أعداد اللاجئين والمقاتلين العابرين للحدود. ويزداد الوضع تعقيداً مع انضمام بعض المجموعات التشادية المسلحة إلى «قوات الدعم السريع» والقتال إلى جانبها، وظهور قيادات من حركات المعارضة التشادية في مسرح القتال في السودان.

كذلك تخشى حكومة نجامينا من أنشطة الحركات المسلحة والإرهابية على حدودها الأخرى، إذ سبق أن تعرضت لهجمات شنتها جماعة «بوكو حرام» على القاعدة العسكرية التشادية في منطقة بحيرة تشاد. فالمنطقة التي تضم إلى جانب تشاد دولاً أخرى مثل النيجر، والكاميرون، ونيجيريا، تشهد نشاطاً مكثفاً للجماعات المتشددة، مما يعني قلقاً متزايداً للحكومة التشادية، ويزيد من إدراكها لمخاطر فتح جبهة أخرى على حدودها مع السودان.

تشاد لن تكون آمنة من تداعيات حرب السودان، ومن تصاعد حدة القتال في دارفور أخيراً، ومن احتمالات انتشار المقاتلين عبر الحدود بما يزعزع نظام ديبي، كلما طال أمد الحرب. وربما لهذا السبب تبدأ في إعادة النظر في موقفها «قبل أن تقع الفأس على الرأس»، كما يقولون.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد السودان تعقيدات عابرة للحدود مع تشاد



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon