صراع الروبوتات

صراع الروبوتات

صراع الروبوتات

 لبنان اليوم -

صراع الروبوتات

بقلم:سوسن الأبطح

الحرب التكنولوجية المحتدمة بين الصين وأميركا، رغم شراستها لا تزال في بداياتها، وأحدٌ لا يمكنه التنبؤ بنتائجها.

يزداد الغموض حين تعرف أن الصين تبني استراتيجيات في تطويرها للذكاء الاصطناعي مختلفةً جذرياً عن التي يتبعها الأميركيون. فالصين تعتقد أنه كما أن هناك تعدداً سياسياً قطبياً يولَد، كذلك سيكون هناك تعدد قطبي تكنولوجي، لكلٍّ فيه هويّته وأهدافه وقيمه.

فإذا كانت أميركا هي السبّاقة ولا تزال الرائدة في المجال من دون منازع بفضل بنيتها التحتية المتينة والنماذج اللغوية الكبيرة لديها، والشركات الضخمة التي أسَّستها مثل «أوبن إيه آي» و«أنتروبيك» والقدرة السحابية التخزينية التي لا تضاهَى، ورؤوس الأموال الخاصة التي تُضخّ، والديناميكية والمرونة وانفتاحها على الخبرات الأخرى، فإن الصين تعمل على تشييد بناء تكنولوجي ذكي متعدد الرؤوس ومتكامل الوظائف. يقال إن «هواوي» المدافع القوي، و«بيدو» صانع الألعاب، وهما المشروعان الأكثر تدليلاً ودعماً من الدولة، و«علي بابا» هو الهداف، «ديب سيك» هو المميز، و«إفليتك» متخصص في الأدوار.

الصين رغم طموحها الكبير لا تزال متأخرة عن أميركا، لكنَّ الفجوة تتقلص بسرعة، بعد الازدياد الواضح في عدد أبحاثها العلمية، وتقدم طلابها في الرياضيات، ووفرة مهندسيها الأكفاء، وفي اختراقها لسوق الرقائق الذي ابتُزَّت بها طويلاً، وبقيت نقطة ضعفها. ثمة وعي أن الأبحاث العلمية ضرورة ملحة لتحقيق الاعتماد على النفس والقوة في مجال التكنولوجيا، للوصول إلى القمة.

الاستراتيجية الصينية تركز على دمج الذكاء الاصطناعي في حياة السكان بشكل منظم ووفق خطة مدروسة، وهذا ما يميزها، بحيث إن البحث يذهب في اتجاه ما يحتاج إليه المجتمع وتقديم الخدمات اللوجيستية، وليس العكس. إنه ذكاء اصطناعي زراعي، صناعي، صحي أكثر مما هو استهلاكي تجاري أو ترفيهي. تريد الصين أن تجعل العمل أسرع وأفضل وأقل تكلفة، والحياة أسهل، مما يصب في مصلحة الاقتصاد.

وهي إن لم تكن سباقة في كل المجالات فقد برزت بشكل خاص في مجال الروبوتات التي يمكن أن تدعم وتحفز تطوير ميادين عدة، منها دعم السيارات الكهربائية والبطاريات والسكك الحديدية عالية السرعة، والدفع نحو التصنيع عالي الجودة. بكين فازت حتى الآن في سباق روبوتات الذكاء الاصطناعي في مواجهة الولايات المتحدة، حيث تعد مقراً لمعظم سلاسل توريد الروبوتات الأكثر تقدماً، ولديها شبكة متنامية من مختبرات الروبوتات، أو ما يسمى الذكاء الاصطناعي المتجسد.

النتيجة أن أكثر من مليوني روبوت تشغّل المصانع الصينية، وهو رقم كبير ومدهش. فالروبوتات في الصين باتت هي التي تصنع الروبوت، وبالتالي سرعة الإنتاج لا تضاهَى. في عام 2024 ركَّبت الصين نحو 300 ألف روبوت، أي نصف روبوتات العالم في سنة واحدة. الروبوتات تدير بشكل كبير مصانع شركات كبرى مثل «بي واي دي»، السيارة الكهربائية التي تزيح «تسلا» عن العرش. وهذا تحديداً ما تعدّه أميركا أحد التحديات الكبرى التي تريد بلوغها، كي تتمكن من تجاوز مشكلة نقص العمالة، ونزيف المهارات الصناعية.

وهذا ما لا بد من تعويضه، بعد إغلاق باب الهجرة، خصوصاً للمتفوقين، ورفع سعر الفيزا الخاصة بهم إلى مائة ألف دولار، والتضييق على الطلاب الأجانب، الذين صنعوا مجد أميركا التكنولوجي، وعبقرية وادي السيليكون، حيث يشعر من يزوره اليوم، بأنه يفقد حيويته، بسبب وجود التصنيع خارج أميركا نفسها مع صعوبة استعادته.

المرافئ الأميركية تعاني أيضاً، حيث ترفض النقابات العمالية بشكل كبير استبدال الآلات بالبشر، لا بل يقال إن المواني هناك هي الأبطأ في الأتمتة. وهذا جزء من مشكلة المصانع كذلك التي انخفض إنتاجها بنسبة الثلث من السبعينات إلى اليوم بدل أن يرتفع.

وبينما تهدف الصين إلى التوسع، وبناء شراكات ونقل مصانع إلى خارج حدودها الجغرافية فيما يشبه الغزو المتنامي، تحاول أميركا أن تعيد مصانعها إلى داخل حدودها، وأن تحدّ من جلب المهارات الأجنبية في محاولة لتنمية القدرات البشرية الذاتية. وهي خطة تعود بالفائدة على الأميركيين، لكن يُخشى أن يكون الوقت أضيق من أن يتسع للتجارب، فيما الروبوتات تفبرك مثيلات لها في زمن قياسي لم يكن ليخطر على بال إنسان.

السباق متواصل، وأميركا تعتمد على ديناميكيتها، وحيوية نظامها، وتترك للمبادرات الخاصة أن تشكل لها خريطة المستقبل، فيما تمسك السلطات الصينية بخطتها، وتتابع خطوطها العريضة، وتموِّل مشاريعها، ولا تترك للشركات الخاصة سوى التفاصيل.

نموذجان مختلفان، كلاهما يسعى، وقد ينتهيان بنا إلى حروب جديدة، أو أنماط من الحيوات لم نعهدها، وقد يدخل على الخط نموذج ثالث. في كل الأحول، من المفترض أن العلم يتقدم لصالح البشرية، بينما يُخشى أن تكون المعرفة هذه المرة طريقاً إلى الجحيم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الروبوتات صراع الروبوتات



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon