البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

 لبنان اليوم -

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة

بقلم:تركي الدخيل

بَيْتُ القَصِيِدِ، هُوَ بَيْتٌ شَهِيرٌ، مَذْكُورٌ فِي غَالِبِ كُتُبِ الشَّوَاهِدِ النَّحْوِيَّةِ، وَيُنْسَبُ – عَلَى الأَرْجَحِ – إِلَى الشَّاعِرِ الإِسْلَامِيِّ الشَّهِيرِ: مِسْكِين الدَّارِمِيِّ، وَهوَ قَوْلُهُ:

أَخَـاكَ أَخَـاكَ إِنَّ مَـنْ لَا أَخَـا لَـهُ

كَـسَـاعٍ إِلَـى الـهَيْـجَـا بِـغَـيْـرِ سِـلَاحِ

و«أَخَاكَ»: مَنْصُوبٌ، فَاعْتَبَرَهُ الخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الفَرَاهِيدِيُّ، فِي كِتَابِهِ: «الجُمَلِ فِي النَّحْوِ»، شَاهِدًا عَلَى النَّصْبِ مِنَ التَّحْذِيرِ، فَنَصْبُ «أَخَاكَ» بِالفَتْحَةِ يَقْتَضِي التَّحْذِيرَ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾، أَيْ: احْذَرُوا نَاقَةَ اللهِ أَنْ تَمَسُّوهَا بِسُوء.

وَفِي البَيْتِ يُحَذِّرُ الشَّاعِرُ مِنْ مَغَبَّةِ خَسَارَةِ الأَخِ، وَيُؤَكِّدُ أَنَّ مَنْ كَانَ بِلَا أَخٍ، سيصيرُ ضَعِيْفاً خَوَّاراً.

وَقَدْ أُضْمَرَ الفِعْلُ فِي البَيْتِ لِوُضُوحِهِ، كَأَنَّهُ يُرِيْدُ: الزَمْ، أَوِ احْفَظْ أَخَاكَ. وَهوَ أسلوبُ إغْرَاءٍ أيضاً وأخاكَ الثَّانِيَة تَوْكِيدٌ لَفْظِيٌّ.

قَالَ البَغدَادِي فِي «خِزَانَة الأدب»:

يَقولُ: استكثرْ من الإِخوَانِ، فَهُم عُدَّةٌ تستَظْهِرُ بِهَا عَلَى الزَّمَانِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «المَرءُ كَثيرٌ بِأخِيهِ».

وَجَعَلَ مَنْ لَا أَخَ لَهُ، كَمَنْ قاتَلَ عَدُوَّهُ بِلَا سِلَاحٍ. وصَدَقَ، فَإِنَّ مَنْ قَطَعَ أخَاهُ وصَرَمَهُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَاتَلَ بِلَا سِلَاحٍ.

وَلَا يَقْتَصِرُ مَعْنَى الأَخِ عَلَى أُخُوَّةِ الدَّمِ، بَلْ يَشْمَلُهَا وَيَشْمَلُ الأُخُوَّةَ بِمَعْنَاهَا العَام، وَلِذَلِكَ تَحَدَّثَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ الإخوَان مِنْ «عُيُون الأَخبَار»، عَنِ الحَثِّ عَلَى اتّخَاذِ الإِخْوَانِ وَاخْتِيَارِهِمْ، وَلَا يُمكِنُ اخْتِيَارُ إِخْوَانِ الدَّمّ بِلَا شَكٍّ.

أوردَ هَذَا البَيْتَ أَبُو عُبيدٍ القَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي أَمْثَالِهِ، وَقَالَ: «هُوَ مَثَلٌ فِي اسْتِغَاثةِ الرَجُلِ بِأهْلِ الثّقَةِ».

وَ(الهَيْجَا): الحَرْبُ. وحُذِفَتِ الهَمْزَةُ لِلضَّرُورَةِ الشّعْرِيَّة.

وَبَعدَهُ يَقُولُ:

وَإِنَّ ابْنَ عَمِّ الْمَرْءِ فَاعْلَمْ جَنَاحُهُ

وَهَلْ يَنْهَضُ البَازِيْ بِغَيْرِ جَنَاحِ

وعَجُزُ البَيْتِ الثَّانِي، مِنَ أنصَافِ الأبيَاتِ الّتِي ذَهَبَتْ أَمْثَالًا، وهُوَ مذكُورٌ في جُلِّ كُتُبِ الأَمْثَال.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «المُستقصَى من أمثال العَرَب»: «يُضْرَبُ لِمَنْ قَلَّ أَنْصَارُهُ وَلِمَنْ يَدَّعِي عِلْمًا لَيْسَ مَعَهُ آلَةٌ».

قَالَ المَيدانِي في «مَجْمَع الأمْثَال»: «يُضْرَبُ في الحَثِّ على التَّعَاوُنِ وَالوِفَاقِ».

«البَازِي»: نَوْعٌ مِنَ الصُّقُوْرِ التِي تُستَخْدَمُ فِي الصَّيدِ.

وَنَحوُ عَجُزِ بيتِ مِسكين الثَّانِي، قَولُ مَجَاعَةَ بنِ مَرَارَةَ الحَنَفِيّ اليَمَامِيّ:

وَهَلْ يَنهَضُ البَازِيُّ إِلَّا بِرِيْشِهِ

وَهَلْ يَحْمِلُ الأَعضَادَ غَيْرُ السَّوَاعِدِ

وَ(نَهَضَ): النُّونُ وَالْهَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى حَرَكَةٍ فِي عُلُوٍّ. وَنَهَضَ مِنْ مَكَانِهِ: قَامَ. وَمَا لَهُ نَاهِضَةٌ، أَيْ قَوْمٌ يَنْهَضُونَ فِي أَمْرِهِ وَيَقُومُونَ بِهِ. وَيَقُولُونَ: نَاهِضَةُ الرَّجُلِ: بَنُو أَبِيهِ الَّذِين يَغْضَبُونَ لَهُ. وَنَهَضَ النَّبْتُ: اسْتَوَى. وَالنَّاهِضُ: الطَّائِرُ الَّذِي وَفَرَ جَنَاحَاهُ وَتَهَيَّأَ لِلنُّهُوضِ وَالطَّيَرَانِ. «مقاييس اللغة»، ابن فَارِس.

وكانَ مسكين، قَدِمَ عَلَى مُعَاويَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ، وَسَأَلَهُ عَطَاءً مَفْرُوضاً، فأبَى، فَخَرَجَ وَهُوَ يُرَدِّدُ:

أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ...

قِيلَ: إنَّ دَاوُدَ عَلَيهِ السَّلَام قَالَ لابْنِهِ سُلَيمَانَ: «يا بُنَيَّ، لا تَستَقِلَّنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ عَدُوٌّ وَاحِدٌ، ولا تَستَكْثِرَنَّ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَلْفُ صَدِيقٍ».

وَكَانَ يُقَالُ: «أعجزُ النَّاسِ مَنْ فَـرَّطَ فِي طَلَبِ الإِخوَانِ، وأَعْجَـزُ منه مَن ضيَّعَ مَن ظفِرَ بِهِ مِنْهُمْ».

وَأَنْشَدَ ابْنُ الأعْرَابِيّ:

لَعَمْرُكَ مَا مَالُ الْفَتَى بِذَخِيرَةٍ.

وَلَكِنَّ إِخْوَانَ الثِّقَاتِ الذَّخَائِرُ

وَقَالُوا: الرَّجُلُ بِلَا إِخْوَانٍ كَاليَمِينِ بِلَا شِمَال.

وَقَالَ أيُّوبُ السّختيَانِيّ:

«إذَا بَلَغَنِي مَوْتُ أخٍ لِي، فَكَأنَّمَا سَقَطَ عُضْوٌ مِنِّـي».

(عيونُ الأخبار، لابن قتيبة: 2/ 405–406).

ومِسكِينُ الدَّارِمِيّ (ت 89هـ = 707م): شَاعِرٌ شُجَاعٌ منْ أهلِ الْعِرَاقِ، أَدْرَكَ بِدَايَةَ الدَّولَةَ الأُمَوِيَّةَ، وكَانَ عَلَى صِلَةٍ بِيزيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، الذي كَانَ يَصِلُهُ، ويقومُ بِحَوَائِجِهِ عِنْدَ أَبِيْهِ.

ومِسكِين لَقبُهُ، واسْمُهُ: رَبيعَةُ بنُ عَامِرٍ بنِ أُنيف منْ بَنِي مَالِكٍ بنِ حَنْظَلَةَ بن مَالكٍ بنِ زيدِ مَنَاة بنِ تَمِيم.

وَلُقِّبَ بِمِسْكِيْن، لقَوْلِهِ:

أَنَا مِسْكِينٌ لِمَنْ أَنكَرَنِي

وَلِمَنْ يَعْرِفُنِي جِدٌّ نَطِقْ

وَقَوْلهُ:

وسُمِّيتُ مِسْكِيْنًا وَكَانَتْ لِحَاجَةٍ

وَإِنِّي لَمِسكِينٌ إِلَى اللهِ رَاغِبُ

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة البَيْتُ الذِي احْتَجَّ بهِ مِسْكِين على مُعَاوِيَة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon