أزمات السودان والعراق وليبيا

أزمات السودان والعراق وليبيا

أزمات السودان والعراق وليبيا

 لبنان اليوم -

أزمات السودان والعراق وليبيا

بقلم : محمد الرميحي

ترى هل بين الأزمات العربية المختلفة، من السودان إلى العراق إلى ليبيا إلى لبنان وغيرها، من رابط، ربما يذهب البعض إلى نفي ذلك، أما إذا أردنا أن نبحث في العمق، فإن هناك رابطاً خلفياً يستطيع المتابع أن يضع يده عليه، يجمع بين تلك الأزمات.

ذلك الرابط من جزأين؛ الأول عدم فهم الفرق بين الدولة القومية والدولة الوطنية، والثاني عدم فهم الفرق بين المواطنة والهوية، يربط هذه العناصر بألوانها عنوان عريض اسمه «الفشل في إدارة التعدد».

هذا الفشل هو الذي يسبب كل هذه الأزمات التي حولنا في فضائنا العربي الممتد.

في المنطقة تفكير يراه البعض؛ أن الدول العربية هي دول مصطنعة، وأن الحل هو الأمة العربية، أو الأمة الإسلامية، وبالتالي ليس لديه أي خلاف مع تجاوز الوطن، من أجل مشروعات أوسع يعتقد أنها هي المَخرج للمشكلات العربية المختلفة، والبعض يرى أن الوطن هو الهوية، لذلك يحاول أن يصهر هوية شاملة موحدة للمواطنين في الوطن الواحد، وهذا أيضاً مستحيل؛ لأنه لا يوجد في هذا العالم (عدا المجتمعات المعزولة جداً التي تحمل هوية موحدة)، كل الدول والمجتمعات تحمل هويات متعددة.

متابع لهذا الأمر هو لي سميث، كاتب أميركي، نشر كتاباً منذ خمسة عشر عاماً، لم يترجَم إلى العربية، بعنوان «الحصان القوي: القوة والسياسة وصدام الحضارات العربية»، حاول فيه أن يفسر منطق الصراع في الشرق الأوسط من الداخل الثقافي العربي، لا من خلال إسقاطات غربية تقليدية، واستند عمله إلى سنوات في المنطقة، حيث عاش في بيروت ودمشق والقاهرة، مراقباً التحولات السياسية والفكرية، إذا أضفنا إلى ذلك كتاباً آخر مهماً، والذي تُرجم إلى العربية تحت عنوان «الناصرية وموروثها» للصحافي البريطاني أليكس روال عن التجربة الناصرية، وتأثيرها السلبي في المنطقة العربية.

زبدة هذين الكتابين، على ما بهما من فروق، هي تلك المعاناة الإنسانية الضخمة التي تكبدتها الشعوب تحت ما يسمى «مستنقع الآيديولوجيا» في بناء الأوطان، مثل وحدة الهوية، أو الانتماء إلى ما بعد الدولة، وكيف عسفت بالإنسان العربي.

حقيقة الأمر أن هذه المنطقة لم تعرف مفهوم الدولة الحديثة بمعناها المؤسسي، فتعرف السلطة بوصفها امتداداً شخصياً أو عائلياً أو طائفياً، لذلك نجد ظاهرة الانقلابات العسكرية المتكررة تحت الشعارات الآيديولوجية المختلفة، وفي الوقت نفسه تُهمش القوانين، وتدار السياسة العامة بمنطق غير منطق المواطنة.

غياب مفهوم المواطنة المتساوية تحت قانون شامل جعل من المجموعات ما دون الدولة تعتمد إما على رديف غريب، أو مظلومية متخيلة.

إذن ما نشهده في هذا القرن الحادي والعشرين من سقوط نظام صدام حسين، ومِن بعده القذافي، ومِن بعده البشير، وقبل ذلك علي صالح في اليمن، كلها عائدة إلى محاولة فجة في صِهر المواطنة في الهوية المتخيلة وتجاوز الدولة الوطنية.

اليوم ليس غريباً إذاً الصراع الدامي في السودان، على خطوط إثنية وعِرقية ومصلحية، وليس غريباً أيضاً الصراع السياسي في العراق على الخطوط العِرقية والمذهبية نفسها، والتي تختفي وراء ميليشيات مسلّحة فتُغلب ما دون الدولة على الدولة، كذلك ليس غريباً أن تحتفظ مجموعة من الشعب اللبناني بسلاح يهدد كيان الدولة اللبنانية نفسها. وإذا ذهبنا إلى الجناح المغربي فسوف نجد ذلك الصراع على الصحراء الغربية، صراعاً بين الإخوة، وهو صراع غير مبرَّر، إذ عطّل التنمية في تلك المناطق إلى حد بعيد.

عندما تنهار الدولة المركزية كما في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان، تصبح الأقليات أو المجموعات ما دون الدولة هي السائدة، وتتكئ على سند خارجي، وتبقى المجموعات الأخرى مهمَّشة، وتقع ضحايا الفوضى الطائفية والسياسية.

ذلك كله ينمّ عن غياب التعاقد المدني والمحترم بين الجميع الذي يساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات؛ أيْ غياب الاعتراف بالحقوق العامة والمساواةِ بين المواطنين في ظل الدولة المدنية.

الإصلاح لا يمكن أن يأتي من خلال انتخابات شكلية، بل من تحول ثقافي داخلي يبدأ في مؤسسات التعليم بالتوجه نحو احترام القانون والمؤسسات، بدلاً من الأشخاص، وترسيخ المواطنة فوق الهوية الدينية والقبلية، والاعتراف بالمجموعات المختلفة في المجتمع كمكون أصيل وأساسي لتطور المجتمع.

بعضنا ذهب إلى فكرة الانتخابات والديمقراطية، ولكنها تجاهلت المنظومة الثقافية والاجتماعية القائمة على الولاء والقوة، وخلق أعداء غالباً ما يُستخدمون أداة لتبرير الفشل الداخلي، ومحاولة توحيد الشعور الجمعي حول عدو خارجي، بدلاً من مواجهة أزمة المواطنة داخل المجتمعات العربية نفسها، تخلق تلك المواقف السياسية أزمات تؤدي إلى انفجار وحروب أهلية، كما في اليمن والسودان وغيرهما.

معظم القوى التي تعرض نفسها اليوم بديلاً، تعتمد الآليات نفسها؛ وهي الخضوع لآيديولوجيا شمولية، وليس عبر إعادة تعريف القوة، من قوة السيطرة إلى قوة المؤسسات وقوة القانون والمعرفة، من أجل التعايش في مجتمعات صحية متعايشة.

آخر الكلام: الأزمة في اختصار الدولة في الشخص، وليس المؤسسة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمات السودان والعراق وليبيا أزمات السودان والعراق وليبيا



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon