الفتاوى المتصارعة سوريا في التحالف الدولي

الفتاوى المتصارعة... سوريا في التحالف الدولي

الفتاوى المتصارعة... سوريا في التحالف الدولي

 لبنان اليوم -

الفتاوى المتصارعة سوريا في التحالف الدولي

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يعد النمط السياسي الذي قرر خطّه الرئيس السوري أحمد الشرع خافياً على أحد؛ براغماتية سياسية، وإقبال على الحلّ الكامل مع إسرائيل، مع اقتناع بنماذج التطوّر لدى دول التنمية الصاعدة، بغية بدء مرحلة إعادة الإعمار، كلها أقوال مكتوبة ومتلوّةٌ في وسائل الإعلام.

لكن الأهم من ذلك هو الإرباك الذي أحدثه نموذج الشرع الحالي في صلب الأوساط الأصولية والغضبة التي سببتْها النقلة السريعة لدى منظّريهم وقيادييهم.

يعلم الشرع جيداً أن الخروج من تنظيماتٍ ذات هيكلية صلبة ليس سهلاً، وله أثمانه. لقد صدر عديد من الفتاوى والكتابات القلقة والمصدومة من تغيّر الشرع وبهذه السرعة حيث الانتقال من جبهات حلب ودرعا إلى بلاط البيت الأبيض وبسياسات لم يتوقعوها منه.

لقد ارتطمت نظريات الأصولية بجبالٍ من الأسئلة، وعاشت صنوفاً من مشاعر الخيبة والإحباط.

لقد غلب على خطاب الشرع منذ توليه الحكم التركيز على المجالات السياسية والاقتصادية. لم يعتنِ كثيراً بالتبرير الفقهي لحلفاء الأمس، ولذلك فإن هذه الثغرة استعملها أنداده من أجل ضرب مشروع «الخروج السوري» من الأزمة الكبرى.

غير أن وزير العدل السوري مظهر الويس نُشرت له، بالتزامن مع زيارة الشرع، فتوى مطوّلة حول المواضيع التي جننّت الأصوليين وحاول فيها ردم الهوّة بين الشرع الجديد والقدامى الناقمين.

تأتي فتوى وزير العدل بعد أن راجت فتاوى مناوئة لدخول سوريا في التحالف الدولي للحرب على تنظيم «داعش». على سبيل المثال كتب أحدهم مفتياً بأن «من يدخل هذا الحلف لتنفيذ الأجندة الأميركية حاملاً مشروعاً علمانياً ديمقراطياً، ففعله رِدَّة، لأن فيه متابعة للكفار على كفرهم وإعطاءهم مقاليد الطاعة، ولا التفات للحجج الواهية هنا من منع الظلم والبغي لأن هذا لا يبرِّر فعل الكفر».

مثل هذه الفتوى التحريضيّة تعبّر عن الانقسام الشديد داخل التنظيمات على المستوى النظري، فتكفير فعل الشرع يعني أن ثمة معركة داخلية في سوريا لابد من أن يخوضها الشرع بغية سحق ما تبقى من هياكل إرهابية مارقة.

نعود إلى فتوى وزير العدل، ومن ضمن ما ورد فيها: «بعيداً عن الضجيج والمزاودة، ومن باب وضع النقاط على الحروف حتى لا تلتبس الأمور في ظل التشويش والتخليط الذي يمارسه البعض، ونصيحةً للشباب حتى يعرف الحق من الباطل لأن الأمر دين، وحتى لا يظن أن الصمت عجز والسكوت عِيٌّ، ففي الجعبة الكثير».

أما تبريره الفقهي في الفتوى حول دخول سوريا التحالف الدولي، فهو كالتالي: «ما دام ميزان المصالح والمفاسد يشير إلى ترجيح كفة المصالح العامة ودرء المفاسد والشرور، وأنّ العمل يأخذ شكل التنسيق والتعاون المعلوماتي والتدريبي الذي يعزز سيطرة الدولة واحترام سيادتها، ولا يتضمن أي تنازلٍ عن حقٍّ شرعي أو إقرارٍ بمخالفة شرعية أو تبعية ومظاهرة أو مناصرة، بل هو استفادة في أمور لها سياقها الموجود أصلاً بسبب الدواعش أنفسهم وما سببوه من تدخلات، ولذلك فإنّ هذا الأمر يكون مشروعاً بهذه الضوابط مع ضرورة اليقظة والحذر، ويندرج كل ذلك ضمن قواعد السياسة الشرعية وفقه الواقع».

كل ذلك الجدل يبين مستوى الاحتدام السجالي في سوريا وخطورته المستقبليّة. قد تنتقم التنظيمات الإرهابية تنتقم بشتى الصنوف وهذا تحدٍّ حقيقي يعرفه كل من يتتبع هذه الظاهرة الأصولية وأطوارها من كثب.

هناك أشبه ما يكون بـ«الورطة الفقهية»؛ كيف تقنع حلفاء الأمس بكل الذي تدار به الأمور اليوم؟!

تصاعد هذا السجال وبقوة مع زيارة الشرع للبيت الأبيض، ودخول سوريا التحالف، هذا فضلاً عن الاتفاقيات المبرمة والتي ستُبرَم مع الشرق والغرب.

الخلاصة؛ أن التحديات في سوريا لم تنتهِ بعد، وآيةُ ذلك هذا الاعتراض الأصولي الشرس على سياسات الحكومة السورية الحالية. من المهم الانتباه إلى مكر هذه التنظيمات؛ إنهم يعدّون أنفسهم شركاء في «التحرير»، ويريدون حصّتهم من الكعكة.

وأخيراً، فإنه من الصعب هدم أفكار تلك الجماعات بفتوى، فبناؤها النظري معقّد ويحتاج ضربه إلى جهدٍ ووقت وصبر وإلى قوّة لا تلين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتاوى المتصارعة سوريا في التحالف الدولي الفتاوى المتصارعة سوريا في التحالف الدولي



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon