نهاية أفكار الحروب القديمة

نهاية أفكار الحروب القديمة

نهاية أفكار الحروب القديمة

 لبنان اليوم -

نهاية أفكار الحروب القديمة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم تعد الحروب على الطريقة التقليدية مفيدة؛ لقد تطوّرت أساليب الصراع، فالعقل البشري عبر التاريخ مبدع وخلّاق بأفكار الحرب وبتجديد استراتيجيات النزال والقتال.

تاريخ الحروب لم يكن شيّقاً ولكن يبرره الفلاسفة بأنه أساسي وجزء من حركة التاريخ بل إن هيراقليطس وصف الحرب بـ«ربّة الأشياء» وذلك بغية صقل وتمتين نظريته حول «الصيرورة». «إن كل شيء يصير ويتغيّر والماء لا يجري في النهر مرتين» كما يقول.

أما هيغل فيعتبر الحرب أساس تشكّل التاريخ، وحين رأى هيغل نابليون عام 1806 على حصانه وهو يتجول بين جنده بعد انتصاره المبين على بروسيا قال كلمته الشهيرة: «لقد رأيت المطلق؛ روح العالم يمتطي صهوة جواده». إن الحرب أساسيّة في تشكيل العالم. من المستحيل تصوّر كل ما نعيشه من دون استنطاق تاريخ مثقل بالملاحم والمعارك الطاحنة.

غير أن السؤال الذي يُطرح حالياً يتعلّق بتغيّر مفهوم الحرب!

ما عادت الحروب التقليدية هي الصانعة للأمجاد فهي الآن لا تُخاض بالرماح. تطوّر مفهوم الحرب ليأخذ شكله الأكثر دقةً وفتكاً. الأسلحة النوعية النووية والجويّة والبحريّة أساسيّة ولكن الأهم من كل ذلك الحرب على المستقبل وهذا التعبير طرحه كرس مكناب في كتابه: «مختصر تاريخ الحروب - من الحرب القديمة إلى الصراعات العالمية في القرن الحادي والعشرين»؛ لقد تناول مختصر تاريخ الحروب منذ النزاعات القبليّة ما قبل التاريخية مروراً بحروب الإمبراطوريات العظيمة والعالمية وصولاً إلى صراعات محاربة التمرّد، تطرّق الكتاب المهم أيضاً لتاريخ تطوّر الجيوش من قوات تشكّل في حينها وقواتٍ موسمية إلى جيوش ثابتة ومهنية وصولاً إلى التجنيد الجماهيري، وبعد سرد نظريته بفصولٍ سبعة ختمها بفقرةٍ حول «حرب المستقبل».

بالتأكيد سيظلّ التطوّر العسكري أساسياً بغية الردع أو التأديب أو النزال وهذا ما تشرحه حالة التفوّق المذهل للقوّة الأميركية مقارنةً بما لدى روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، لكن المفهوم الفكري المراد، أن التطوّر في السلاح لا يقود بالضرورة إلى التفوّق المطلق، ثمة حرب أخرى موازية مصقولة بقوّة العلم وبالتطوّر المذهل، الاستخباري والتكنولوجي، للتقنيات بكل أفرعها.

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة، خصوصاً في حرب إسرائيل على «حزب الله» أن السلاح تحوّل إلى نمط حربي قديم؛ كان الحزب يتبجّح بامتلاكه مئات الصواريخ والمقاتلين والعدّة والعتاد، ويخطبون وبعناد أنهم يستطيعون مسح «العدو» بضغطة زرّ. ولكن مع الالتحام وبدء المعركة ظهر لنا بالفعل مفهوم «حرب المستقبل» حيث تفوّقت التكنولوجيا الاستخبارية على الصواريخ ولغة التهديد والخطابة.

ما عادت الأفكار العسكرية القديمة مفيدة ولا مجدية، بل أثبتت الحرب فشلها الذريع. لقد تابعت وقرأتُ ما تيسّر لي حول معارك البيجر، واللاسلكي، واختراق منظومة وهيكل «حزب الله» بأكمله ولم يقدني كل ذلك إلى أن الحروب التقليدية انتهت، والآن ثمة حروب تكنولوجية متطوّرة، ثمة من يتحدّث عن مخاوف عند قادة «حزب الله» من تدوير «الميكروويف» خشية انفجاره بوجوههم كما يقول مسؤول استخباري.

كل التطوّر التقني هذا جعلنا تلقائياً نطرح أسئلةً مهمة بغية الفهم؛ حتى الدول الغربية المتطوّرة لم تفكّ الكثير من لغز هذا النمط التقني الذي قاد إسرائيل لكسر وسحق «حزب الله» بأيامٍ معدودة وبلا خسائر.

إن نظرية حرب المستقبل تجعل مفهوم «المقاومة» في ورطة وفي حالة انتهاء. الهياكل التي تشكّلت عبر لغات الخطابة وآيديولوجيات الانتقام وثقافة الموت وصناعة أكوامٍ من المفرقعات والصواريخ لم تنجح لا فكرياً ولا عسكرياً، بل تعرّضت لأزماتٍ ميدانية، لأنها حالة ضد حركة التاريخ ولا تفهم بحرب المستقبل.

الخلاصة؛ أن النظريّة الحربيّة فلسفياً تطوّرت، ثمة حرب للمستقبل وهذا مفهوم لن تفهمه الحركات المغامرة التي فشلت في كل حروبها منذ تأسيسها وإلى اليوم. الحرب الآن تقنية وعلميّة وتكنولوجية ليست مجموعة صواريخ يطلقها ملثّم على رأس جبلٍ أو على شطّ نهر، الأفكار العسكرية تجاوزت كل ذلك الإرث القديم، وعليه فإن من يمتلك أفكار المستقبل هو مَن يحقق الانتصار، وفي التجارب الأخيرة عبرٌ ودروسٌ.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية أفكار الحروب القديمة نهاية أفكار الحروب القديمة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon