حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم

حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم

حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم

 لبنان اليوم -

حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يعبّر رسم «العقيدة السياسية» لدى كل رئيسٍ عن تصوّرٍ دقيق لما يجري بالعالم. يضع لكل نقطة أولويتها طبقاً للأهداف التي يرسمها، والملفات التي يودّ إقفالها أو على الأقل تخفيف توترها، وضمان عدم ارتداداتها أو تصاعدها. فلكل رئيسٍ برنامجه المضبوط ما بين الانعزال أو الانخراط، وهذا يصحّ بالتحديد على الرئيسين أوباما وبايدن، الأول اختار الانعزال، والثاني آثر الانسحاب، ومَن ينسى الانسحاب الكارثي من أفغانستان التي ارتدّت آثارها على كل آسيا الوسطى وروسيا، وأنعشت مجاميع التطرف والعنف في الجوار.

لكن عقيدة ترمب مختلفة. نعم لن تنعتق من الولاية الأولى، ولكن المعلّقين والراصدين يرون «طوْر» ترمب الجديد أكثر دقة وانخراطاً في موضوعات الشرق الأوسط؛ وآية ذلك ما نشهده من تركيزٍ عالٍ على مستوى الاستراتيجيات والخطابات والتوجّهات لإغلاق الملفّات العالقة التي كانت فيها الإدارات السابقة غير آبهة.

بخطابات ترمب الدولية لا الداخلية يتطرّق لمشكلات الشرق الأوسط بما لا يقل عن ثلث القول. وكذلك أسئلة الصحافيين التي تستنطقه حول المشكلات الكبرى، والحروب الأهلية، والمشاكل الاقتصادية، وموضوعات السلام. هذا أمرٌ مبشّر بالخير أن نتجاوز سنين الانعزال والانسحاب لدى السابقين، نحو سنواتٍ من العودة للإقليم والعمل الجاد والفاعليّة العالية. وبزيارة ترمب هذه يمكن أن نفكّر ملياً بتحولاتٍ حدثت ما بين ولاية ترمب الأولى وولايته الحالية ومنها:

أولاً: التحوّل الجيوسياسي الكبير؛ ثمة أنماط انقرضت وأخرى بزغت. ما عادت المنطقة على سابقها، ثمة محاور انهارت، وجدرٌ تهدّمت، وأحزاب تكسّرت، وأنظمة تغيّرت، وعليه فإن الحسابات السياسية والأفكار التداولية ستكون أكثر إيجابية. الفرصة الآن مواتية لإنعاش الدولة المدنيّة والحيوية السياسية التداولية، والشراكات الاقتصادية.

ثانياً: التحوّل الآيديولوجي؛ لقد قدّم ترمب مهماتٍ جليلة في سبيل دعم دول الاعتدال بالإقليم، التي تبتغي صقل أفكار الحوار بين الأديان، وتشجيع أفكار السلام، وترسيخ كل ذلك على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والتربوية، بل والفنّية. من هنا يمكن التعويل على الشراكة الأميركية مع دول الاعتدال لضرب التغوّل الآيديولوجي والتمدد الإرهابي، إن التحوّل الآيديولوجي الحالي هو تحوّل ماكر، ما عادت المفردات هي المفردات، من الممكن أن يستشهد داعشي بروسو أو ديكارت، أو إرهابي بكانط، فالإرهاب الحالي متحوّر وماكر، ومن دون إدراك هذا المكر، فإنَّ تغيير الجلدة لا يعني تغيير الفكرة.

ثالثاً: التحوّل في الخيار السياسي؛ حين نطلّ على الملفّ السوري نتذكّر تلقائياً وصف توينبي: «سوريا هي الحلبة التي تتواجه فيها كل القوى ضد بعضها، وتكون لذلك عقابيل جيدة أو سيئة في كل أنحاء العالم». كذلك الأمر في لبنان حيث انهيار بنية «حزب الله» وتغيّر النمط التمثيلي لبيئته، والتحدّيات الصاعدة نحو انبعاث مظلومية جديدة. أما في القضية الفلسطينية، فإن خيار حل الدولتين بات معقداً ولا بد من تثبيته وإعادته لإقفال هذا الملفّ المعقّد.

من دون حلّ لموضوع فلسطين وسوريا ولبنان، فإن الإقليم سيظلّ في حالة من الغليان المناسب للآيديولوجيات، والمفرّخ للعصبيات، والمسعّر للجماعات والحركات.

لا بد من إيجاد إرادات فلسطينية قادرة على الاختيار والحسم، أما التسويف واستدرار العواطف والاستثمار بالموضوع، فليس من مصلحة الشعب الفلسطيني المكلوم، مشكلة القضية في مسؤولين يقولون نصف نعم ونصف لا، وهذا يعثّر كل إمكانات الحلول العادلة.

الخلاصة أن زيارة ترمب هي تعبيرٌ عن أفكار الولاية الثانية، إنها عنوان العودة للإقليم بأفكارٍ إيجابية، ومعها ستبنى شراكات اقتصادية وسياسية، وستكون عناوين السلام أعمّ من يافطات الحرب. إن الاستثمار بتوجهات ترمب الحديثة ضروري، فهي بالتأكيد نتاج تأمل امتدّ طوال ولاية بايدن، وهذا التوقّد والحماس منه نحو المنطقة وحيويّات الاستثمار والاقتصاد والسلام أساسي، ولا يمكن تفويت هذه الفرصة وبخاصة ضمن الوضع السياسي المتلاطم، والتحديات المتفاقمة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم حول زيارة ترمب وتحوّلات الإقليم



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon