عادل إمام وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة

عادل إمام.. وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة!

عادل إمام.. وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة!

 لبنان اليوم -

عادل إمام وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة

بقلم: طارق الشناوي

أحد أهم مصادر الدخل القومى، هذا هو عادل إمام الذى أضاء حياتنا، منذ منتصف السبعينيات العديد من العائلات العربية تأتى لمصر لقضاء يومين بالقاهرة، أهم بند فى الرحلة هو الذهاب إلى مسرح (الزعيم)، فهو القادر على أن ينعش قلوبهم بضحكة يمتد مفعولها عدة أشهر.

لا يمكن أن نختصر عادل إمام فى هذا السؤال الساذج: هل يقيم عادل احتفالًا يوم ١٧ لعيد ميلاده؟، يفتح باب الفيلا للجميع للتهنئة والتقاط الصور؟، وإذا لم يفعلها تنشط على الفور غدة (السوشيال ميديا) فى التفسير واختراع المواقف وتحليل الأحداث والوصول إلى نتائج عادة سلبية، بعد قراءة متعسفة ومتسرعة.

المعلومة الصحيحة، عادل الحمد لله فى صحة جسدية وإدراكية جيدة تتوافق مع سنوات عمره، أطال الله بقاءه، باقى الحكاية أنه أصبح يميل أكثر للمكوث داخل بيته بعيدًا عن الصخب الإعلامى، إلا أنه يتواصل تليفونيًا مع عدد محدود جدًا من الأصدقاء، وبين الحين والآخر يلتقى معهم.

قبل أسابيع قليلة، تزوجت ابنة شقيقه عصام، لم يشارك عادل فى الحفل، حتى لا يصبح هدفًا للكاميرات، انتقل عادل إلى شاطئ الهدوء، بعيدًا عن الصخب والفلاشات التى لا تبحث سوى عن الصورة، وقطعًا لا توجد أهم من صورة عادل، ومن حقه أن تحتفظ له الذاكرة بالصورة التى يريدها، والتى شاهدناها فى آخر إطلالة درامية له فى مسلسل (فلانتينو) قبل نحو ٥ سنوات، أتصور أنه سيقيم احتفالا محدودا يوم ميلاده، يحضره فقط المقربون وليس متاحا لكل الأصدقاء ولا كل الإعلاميين، وهذا أبسط حق للإنسان.

كل منا مدين لعادل إمام لأنه أنعش قلوبنا يومًا وصالحنا على الحياة دومًا، ستة عقود من الزمان عمر مشواره الفنى، بينها ٤٠ عامًا على القمة متربعًا على كرسى العرش، مستحوذًا على قلوب الناس، بالأرقام هو الفنان الأول فى عالمنا العربى، موهبة استثنائية صعدت به لمكانة استثنائية.

الحضور الطاغى هو سر عادل إمام، منحة إلهية من الصعب أن تضعها فى إطار علمى لتقبض بيديك على كل أسبابها.

فى تصويت ديمقراطى تم تعميده زعيمًا فى مصر والعالم العربى، صندوق شباك التذاكر يضعه على سدة الحكم، فى سابقة ليست فقط غير متكررة، ولكنها عصية على التكرار.

اختلف معه كما شئت، فأنا كثيرا ما اختلفت، تحفظ على اختياراته كما يحلو لك فأنا كثيرا ما تحفظت، تحفظ على بعض مواقفه السياسية، فأنا كثيرا ما تحفظت، وكتبت ذلك فى زمن مبارك.

لم أكن يومًا من هؤلاء الذين يدورون فى كوكبه ولا من حوارييه الذين يتحلقون حوله، كنت ومازلت أنتقد أعماله الفنية وأكتب ما يمليه علىّ ضميرى النقدى بلا حسابات ولا حساسيات، إلا أن هذا لم يمنعنى أن أرى أن ما حققه عادل إمام من شعبية بكل المقاييس ورغم كل التحفظات هو إنجاز لم يسبقه فيه أحد، ولن يلاحقه فيه أحد.

بدأت رحلة عادل إمام فى عالم الاحتراف عندما ذهب مطلع الستينيات إلى المخرج حسين كمال، وطلب منه أن يمثل أحد الأدوار فى مسرحية (ثورة القرية) التى كتبها عزت العلايلى، وهى من المرات القليلة التى مارس فيها العلايلى التأليف الدرامى، كان عادل يحلم فى مطلع الستينيات بأداء دور تراجيدى، ولكن حسين كمال قام بتغيير المؤشر قائلًا له: (أنت وُلدت كوميديانًا)، فاخترع له دورا هامشيا لرجل فى السوق يبيع العسلية ولا يقول أكثر من جملة (معايا عسلية بمليم الوقية)، وفى كل يوم تنفجر الضحكات بمجرد صعود عادل إمام على خشبة المسرح، وبدأت العلاقة بين عادل إمام وجمهوره تحفر لنفسها مجرى يتسع مع مرور السنوات حتى استقر فى قلوبهم.

أمسك عادل بأول دور له مساحة درامية فى مسرحية (أنا وهو وهى) شخصية «دسوقى أفندى» وكيل المحامى فؤاد المهندس بطل المسرحية، إخراج عبدالمنعم مدبولى، وكانت هى الشرارة الأولى، حيث ردد له الناس تلك اللزمة (بلد شهادات صحيح). التليفزيون المصرى الوليد فى تلك السنوات سمح بتحقيق الانتشار لعادل إمام، البطل فؤاد المهندس، لكن عادل ومعه الضيف أحمد فى دورين صغيرين حققا مع الناس درجة من الارتياح والبهجة.

عادل بطبيعته يميل إلى التفرد، يرى أن مكانته ليست أن يقف فى الطابور حتى لو كان مكانه (الألفة)، ولهذا مثلاً رفض أن يصبح بديلاً للضيف أحمد بعد رحيله عام ١٩٧٠، فهو لا يرضى لنفسه أن يصبح واحدا من ثلاثة يشكلون فرقة (ثلاثى أضواء المسرح)، الطفرة الكبرى جاءت مع (مدرسة المشاغبين) ١٩٧٣ النجاح يستند هذه المرة إلى تغيير اجتماعى بدأت معالمه تتأكد بعد هزيمة ١٩٦٧، والتغيير طرح مفردات ولغة تخاطب مختلفة وعلى الفور ولدت شفرة الضحك الجديدة، ويلتقطها عادل إمام ورفاقه، ويتراجع جيل فؤاد المهندس ومدبولى وعوض، ويبدأ جيل عادل يتقدم الصفوف لأنهم يعبرون أكثر عن الشباب بحكم اقترابهم من نفس المرحلة العمرية، وبينما كان من المفترض أن ينتقل عادل مثل رفاقه من (مدرسة المشاغبين) إلى (العيال كبرت) مع سعيد صالح وأحمد زكى ويونس شلبى، إلا أنه رفض فكرة اقتسام البطولة، بدأت رحلته المسرحية بطلا مطلقا فى (شاهد ما شافش حاجة)، وفى ٧٩ جاءت أفلام مثل (المحفظة معايا)، (إحنا بتوع الأتوبيس)، (خلى بالك من جيرانك) ثم (رجب فوق صفيح ساخن) وفى التليفزيون (أحلام الفتى الطائر) وفى الإذاعة (على باب الوزير) ويصبح هو النجم الجماهيرى الأول فى المجالات الأربعة، سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة، الناس تختاره بإرادتها وهو يحقق أعلى أرقام فى شباك التذاكر، وهذا النجاح بقدر ما يمنحه قوة يصيبه أيضًا بـ(فوبيا) الخوف من الفشل، إيرادات شباك التذاكر مثل رأسمال رجل الأعمال يخشى على ضياعها أو حتى تناقصها، فهو لا يتحمس إلا للعمل الفنى الذى يضمن من خلاله استمراره على القمة الرقمية، وعودة رأس المال وفوقها الأرباح، وكثيرا ما تراجع عن مشروعات مليئة بالطموح الإبداعى لكنها غير مطمئنة تجاريًا، تلعب الأرقام دور البطولة على خريطة عادل إمام، دائما هى مرجعيته الأولى ودستوره الذى يحافظ على بنوده وميثاق شرفه الفنى لهذا نادرًا ما تجد فى أفلامه قبل ١٩٩١ ما تستطيع أن تلمح فيه روح المغامرة الفنية ولو بهامش محدود إلا فى حالات نادرة جدا، مثل (الإنسان يعيش مرة واحدة) تأليف وحيد حامد، وإخراج سيمون صالح، (الأفوكاتو) تأليف وإخراج رأفت الميهى، (الحريف) تأليف بشير الديك إخراج محمد خان، (الهلفوت) تأليف وحيد حامد إخراج سمير سيف.

بدأ رحلة لها خصوصية مع المخرج شريف عرفة وارتباط مؤثر مع الكاتب وحيد حامد والذى كان له تواجده مع سينما عادل إمام قبل هذا التاريخ، إلا أنه منذ (اللعب مع الكبار) عام ١٩٩١ شكل هو وشريف عرفة مذاقا خاصا، وتتابعت بعد ذلك الأفلام (الإرهاب والكباب)، (المنسى)، (طيور الظلام)، (النوم فى العسل)، عادل فى هذه الأفلام يستند إلى قيمة فكرية ورؤية سينمائية أنه ليس فقط النجم الجماهيرى صاحب «الكاريزما»، ولكن هناك توافق بين العناصر الثلاثة: جماهيرية نجم، وفكر كاتب، ورؤية مخرج، والثلاثة التقت فى نقطة مشتركة، أفلام استثنائية فى مشوار عادل توقفت عام ١٩٩٦.

جاء عام ١٩٩٧ وهو يحمل بالأرقام مفاجأة غير سارة لعادل إمام ويؤكد صعود جيل جديد، كانت البداية فيلم (إسماعيلية رايح جاى) بقيادة محمد هنيدى.

أكدت الإيرادات أن هناك جمهورا جديدا بدأ يذهب إلى دور العرض، وله نجومه من الشباب الذين تخرج زعيمهم محمد هنيدى من مدرسة عادل، وتتابعت أسماء عدد من النجوم الشباب وتغيرت الأسماء وظل عادل، لم يتنازل أبدا عن القمة، فهو نجم بإرادة جمهور مختلف، وكأن (جينات) الآباء الذين كانوا يقطعون له تذاكر الدخول للسينما وهم شباب فى السبعينيات والثمانينات، انتقلت إلى أبنائهم.. الفكر الجديد الذى سيطر على عادل إمام فى تلك المرحلة هو ما يقدمه يوسف معاطى، وأرى أن معاطى منح نوعا من العصرية لسينما ومسرح وتليفزيون عادل، معاطى على مستوى بناء السيناريو تلمح فى أفلامه مع عادل نبض وروح هذا الزمن (الروش)، ولهذا اصطحبه معه تليفزيونيًا منذ فرقة (ناجى عطالله) ٢٠١٢، وتبعها بخمسة أعمال وبعدها توجه لجيل جديد من الكتاب.

هل يعود عادل إمام للشاشة؟

إجابتى القاطعة أنه لن يقف مجددًا أمام الكاميرا، ولكن سترى منه لمحة فى كل فنان يسعى لكى يصبح نجمًا جماهيريًا.

٨٥ عامًا، شموعها ستمنحنا دائمًا ضوءًا لا يخبو أبدًا، كان وسيظل يسكن كل القلوب، أمد الله فى عمره.

إذا كان مينا (موحد القطرين) على أرض واحدة، فإن عادل هو الذى وحد الأمة العربية على ضحكة واحدة!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عادل إمام وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة عادل إمام وحَّد الأمة العربية على ضحكة واحدة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon