«سنو وايت» أهمية أن تكون أنت «أنت»

«سنو وايت».. أهمية أن تكون أنت.. «أنت»!

«سنو وايت».. أهمية أن تكون أنت.. «أنت»!

 لبنان اليوم -

«سنو وايت» أهمية أن تكون أنت «أنت»

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

صار للمرأة المخرجة حضورها الطاغى، أغلب المهرجانات التى تشارك فيها السينما المصرية رسميا، تكتشف أن هناك مخرجة تحمست وحصلت على تمويل ووجدت من يصدقها، وتواجدت فى المهرجان. تابع أفلامنا الأخيرة فى (كان) و(برلين) و(الجونة) و(القاهرة) ستلاحظ أن السينما التى ولدت على أرضنا فى عشرينيات القرن الماضى نسائية، عادت مجددًا تحت هيمنة النساء.

آخر تلك الإطلالات للمخرجة تغريد أبو الحسن، المشاركة فى عروض البحر الأحمر بفيلمها سنووايت، وتعنى الترجمة الحرفية «الثلج الأبيض».

سنووايت شخصية كرتونية اخترعها والت ديزنى، ومن أشهر أفلام البدايات سنووايت والأقزام السبعة، فهى الأميرة الجميلة، حلم طفولى يحمل روح البراءة.

السيناريو، الذى كتبته أيضًا تغريد، مقدم بحرفية عالية، وهى تجيد التعبير بالكاميرا. البطلة هى مريم شريف، ممن نطلق عليهم شعبيًا «أقزام»، بينما التوصيف العالمى والصحيح هو «قصار القامة». تداعيات هذا الاسم تحمل ظلالًا سلبية، إلا أن بطلة الفيلم تقدم لنا وجهًا آخر للصورة، وهى تقطع المسافة بين الحقيقة والشاشة.

المخرجة كانت حريصة على ألا تعبر هذا الخيط.

فى البداية، تشاهد البطلة فى العمل تصعد السلم لأن الموظفين الرجال تكاثروا على الأسانسير. ونلمح بوضوح المعاناة، لأننا لا نطبق القوانين العالمية التى تفرض توفر سلم كهربائى للهبوط والصعود لمن يعانون صعوبة فى استخدام درجات السلالم، أو على الأقل سلم متدرج، بحيث لا يشعر من يستخدمه بمعاناة.

أكبر مأزق يواجه المخرج هو توجيه طاقة المتلقى لمتابعة الحالة الدرامية قبل الإنسانية، حتى لو تقاطعا معًا فى عدد من المشاهد. فى هامش ما، يجب ألا يطغى التعاطف الإنسانى على الحالة الدرامية، لتظل الحالة الدرامية هى البطل وليست الحالة الإنسانية.

المخرجة مثلا قدمت اكثر من مشهد يؤكد هذا الخيط بأن القوة لا تعنى ضخامة الجسد الطول والعرض والمنصب، عندما جاء عريس لشقيقتها الصغرى الوجه الجديد (نهال كمال) اخذت المخرجة اللقطة من خلف الكرسى الضخم، نحن لا نرى البطلة، فقط نسمع صوتها، وهى تملى إرادتها وشروطها على اهل العرس، فهى تبدو بهذا التكوين الدرامى وكأنها المهيمنة على الحدث، وفى المشهد التالى عندما ترى النهاية المؤسفة بينما شقيقتها تغادر المنزل لتلحق باهل العريس الغاضبين، بسبب الثلاجة التى طبقا للتقاليد المصرية على العروس وتستطيع إقناعهم بالعودة للتفاوض.

كريم فهمى فى الفيلم هو فتى أحلامها، فقط يسكن فى خيالها، وبين الحين والآخر، تعتقد أنه لقاء واقعى لا تستطيع الإمساك به. تذهب إليه عند افتتاح فيلمه وتحضر باقة ورد، لكنها لا تتمكن من لقائه. المعنى الذى أرادته المخرجة هو أنها، مثل كل بنات جنسها فى هذه المرحلة العمرية، لديها فتى أحلام.

تعيش الواقع كأنثى من خلال برامج الكمبيوتر، وتبدأ فى تبادل الحوار عبر الوسائط الاجتماعية مع عريس مصرى يعمل فى السعودية، وينتظر إجازة فى القاهرة ليتزوج. تخدعه بصور زائفة لها على صفحتها.

من المشاهد التى قدمتها المخرجة بإحساس فنى ونفسى عالٍ، عندما ترتدى البطلة كعبًا عالٍ يتجاوز طوله ١٥ سنتيمترًا، فترتفع قامتها. والمفارقة تأتى عندما اختارت المخرجة محمد ممدوح بجسده الضخم ليصبح هو العريس المرتقب، وتلك المفارقة، قطعًا، تلعب دورًا إيجابيًا فى تجسيد المعنى.

نراها تنزل سلم الكازينو مرتين وتقدم كاميرا مدير التصوير بتوجيه المخرجة لقطة على قدميها ترصد الآلام التى تتحملها. فى المرة الأولى، لا تجرؤ على إتمام اللقاء، وفى الثانية تتحطم كل آمالها. هى تكذب وتعترف، بينما هو يكذب عندما يقول إنه لا يعنيه الشكل ويصر على الكذب.

نحن بصدد شخصية إيجابية خفيفة الروح تواجه مديرها المتعنت، ولا ترضى بالزواج من قصير القامة مثلها لأنها تريد أن تحب أولًا.

لا أدرى هل فرض اختيار البطلة مريم، وهى من قصار القامة، بعض التفاصيل الدرامية على المخرجة؟ أتصور الإجابة هى نعم، لأننا بصدد شخصية ملهمة تريد أن تصل رسالتها للناس بأن الاختلاف لا يعنى النفور، فهناك دائمًا مساحة مشتركة. السيناريو، قطعًا، مكتوب قبل العثور على البطلة، ولكن من أدت دور إيمان، مريم شريف، فى حياتها كانت مختلفة وتملك إرادة. فهى أيضًا حصلت على شهادة علمية من إحدى جامعات برلين وتعمل صيدلانية، مما يوفر لها عائليًا مناخًا مختلفًا لأنهم آمنوا بها ومنحوها الفرصة لكى تعتمد على نفسها. لم ترسم المخرجة بورتريه لها، ولكنها أخذت فكرة التحدى وتأملتها، وأضافت شيئًا من حقيقة البطلة.

نتابع شريطًا سينمائيًا قادرًا على المشاغبة الفكرية والفنية، وهناك لمحات إخراجية متعددة، وتمكنت المخرجة من ضبط هذا الخيط الرفيع بين التعاطف مع مريم الشخصية الواقعية وبين التماهى مع إيمان الشخصية الدرامية وتصديقها. فيلم مختلف فى العديد من تفاصيله، تمكن برشاقة من القفز بعيدًا عن هذا الاختلاف الشكلى ليحرك بداخلنا رؤية أخرى للعالم من حولنا. هناك لمحات إبداعية من فريق فنى قادته المخرجة، آمن بالفكرة: أحمد زيتون مدير التصوير، مصطفى الحلوانى الموسيقى، شيرين فرغل الديكور، رانيا المنتصر بالله المونتاج، والمنتج محمد عجمى.

وكما تحررت بطلة الفيلم إيمان من الخوف وعدلت صورتها الزائفة على صفحتها لتصبح صورتها فى الواقع، صار علينا جميعًا أن نقدم للناس حقيقتنا دون خداع، ولا برامج على الإنترنت أو فى الحياة لتجميل ملامحنا!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سنو وايت» أهمية أن تكون أنت «أنت» «سنو وايت» أهمية أن تكون أنت «أنت»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon