غزة والعدمية الجديدة مستقبل جيل ما بعد الألفية

غزة والعدمية الجديدة: مستقبل جيل ما بعد الألفية!

غزة والعدمية الجديدة: مستقبل جيل ما بعد الألفية!

 لبنان اليوم -

غزة والعدمية الجديدة مستقبل جيل ما بعد الألفية

يوسف الديني
بقلم - يوسف الديني

مع حالة اليأس والانسداد السياسي واستمرار الهمجية الإسرائيلية والكارثة التي تحل بأهل غزة، لا يمكن إلا -في محاولة الخروج من مأزق- تصور حل سياسي قريب إلى تأملات في تأثيرات هذه الكارثة الإنسانية الاستثنائية؛ ليس في حجم الضحايا أو فقدان الحل، وإنما في تأثيراتها المابعدية.

الألم الممض كثفته صورة مزلزلة للحد الأدنى من الإنسانية: عجوز فلسطينية تشبه جداتنا تماماً ممن حضرن نكبة 1948، وهي بالكاد تسير بما تبقى من حياتها الأقصر من ذاكرتها المديدة إلى الجنوب، بما يحمله من رمزية جهة المغلوبين على أمرهم من سادة الشمال في هذا العالم الذي تعرّى بالكامل على المستوى الأخلاقي والقانوني والحقوقي.

وفي النقيض تماماً مما تجسده تلك الجدة المتعبة من حمولات الماضي وقسوته، تتكشف الأزمة اليوم عن مسألة قل التفكير فيها، وهي علاقة الأجيال الجديدة، وتحديداً جيل ما بعد الألفية Gen-Z، بما يجري في غزة. هذا بحكم اهتمامي بهذه الفئة على مستوى التحديات والخطاب والتوصيف؛ حيث يشكلون ربع سكان كوكب الأرض؛ لكن تأثيرهم يتجاوز الـ75 في المائة بما يحملونه من سمات مذهلة وسُلّم قيمي مضطرب وفرداني يميل للصمت والاختباء خلف الشاشات الرقمية، ومع ذلك فإن نتائج الاستطلاعات التي أجرتها مراكز الأبحاث والمنصات الرقمية عكست تحولاً كبيراً على مستوى التفاعل والصدمة والتعبير عن «عدمية» جديدة، والشعور باللاجدوى، مع ارتفاع كبير في منسوب التعاطف مع الضحايا، وانخفاض كبير جداً على مستوى أي تعاطف مع إسرائيل، رغم الإقرار بضرورة تجريم هجوم «حماس». وأنا هنا لا أتحدث عن جيل ما بعد الألفية العربي أو المسلم، حتى أولئك المقيمين خارج الحدود في المجتمعات الغربية، وإنما الشباب الغربي الذي وُلد عقب عام ألفين، جيل الألفية الأميركي في سابقة يتعاطف مع الفلسطينيين بفوارق ضخمة عن الإسرائيليين وفي بريطانيا، فإن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً هم أيضاً أكثر دعماً للفلسطينيين (23 في المائة) من الإسرائيليين (7 في المائة) فقط. وهو العكس تماماً تقريباً لمن تتراوح أعمارهم بين 55 و75 عاماً. وعلى مستوى النخب أو الطبقة الواعية، إذا أخذنا شريحة الجامعات في معظم أوروبا من الطلاب والأكاديميين، انتشرت ظاهرة تمزيق الملصقات التي تم وضعها من الجمعيات اليهودية تحمل صور المختطفين. وعلى مستوى شريحة الغارقين في العالم الموازي وتطبيقات التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً «التيك توك» و«إنستغرام» فإن تقنيات تجاوز الخوارزميات، وإعادة نشر الملصقات التهكمية Memes التي تحمل صور هتلر، أو تحاول وضع علامات ترقيم أمام كلمات لها علاقة بقاموس حرب غزة، لكيلا يتم الحجب، تدل على أننا مقبلون على فواتير قيمية وفكرية وتحولات كبيرة جداً على كل العالم الاستعداد لها، وبدرجة أولى العالم الغربي الذي سقط في ازدواجية المعايير والانحياز ليس غير المبرر فحسب، وإنما الخطر تماماً على أمنه القومي في قادم الأيام.

على مستوى المجتمعات غير المصنفة جغرافياً من الشباب العربي والإسلامي واللاتيني المتأثر بشعارات وقيم «المواطنة العالمية» أو العولمة، والذي كان يوسم عادة بالأمركة على مستوى أسلوب الحياة واللغة والثقافة، فإن أهم ملاحظة هي تضخم كبير جداً للمحتوى التاريخي للصراع، والبحث عن جذور المعضلة سياسياً، بحكم الانقطاع التاريخي بسبب الفارق العمري، كما هي الحال في عقد مقارنات كثيرة في الخط الزمني للاحتلال والاقتطاع والاستيطان من 1948 إلى لحظة 7 أكتوبر (تشرين الأول) بما في ذلك محاولة طرح أسئلة محرجة لا تحمل حمولة آيديولوجية أو موقفاً مسبقاً: هل إسرائيل دولة؟ ما حدودها؟ ما الفارق بين الدولة والمستعمرة الاستيطانية؟ وهي أسئلة تتجاوز الواقع السياسي ومآلاته إلى تفكيك الجذور وانبعاثها، وهي جزء من سمة وشخصية جيل ما بعد الألفية التشكيكية؛ خصوصاً فيما يخص الأطروحات الرسمية.

ولذلك كتبت كاثلين ستوك، معبرة عن هذه التحولات الفكرية: كيف تخجلنا الحرب الثقافية بين إسرائيل و«حماس»؟

الشباب الغربي اليوم ميّال للأطروحات الثورية واليسارية، كما هي الحال مناخ الإسلاموية الذي يهيمن على كثير من البلدان؛ لا سيما التي خاضت تجربة الربيع العربي، وكلاهما يعبر بشكل متقارب عن ميول ضد استعمارية، وبطريقة حماسية لا تفكر في العواقب، فنهايات الساعة وآخر الزمان عند المتطرفين يحضر عند اليسار الغربي الشاب كتعبير عن السأم من «نهاية التاريخ»، كما أن بعدهم الزمني عن المحرقة جعلهم يشككون في السردية الإسرائيلية التي كانت أقرب للعقيدة لآبائهم وأجدادهم الذين لديهم عقدة ذنب كبيرة، والتي تمثلت في مقدمة ونتيجة: اليهود بحاجة لدولة، ويجب أن تكون في فلسطين؛ لكنه في الجيل الجديد يتحول إلى أسئلة نقدية يضاف لها كثير من الاستياء والتململ من سردية «الهولوكوست»، في مقابل محتوى متعاظم من كارثة إنسانية ومجزرة ونكبة جديدة يتناقلونها، ويعيدون تدويرها ملايين المرات في الدقيقة الواحدة، أو كما علّق شاب بريطاني من أصول يهودية في مدونته: «النكبة باتت الإبادة الجماعية التي لم نتعلمها في المدارس».

مشكلة جيل ما بعد الألفية ستكون المعضلة الكبرى والفاتورة الضخمة التي على العالم معالجتها ما بعد توقف الأزمة؛ لأنها ستمتد لعقود وستشكل عائقاً كبيراً عن استعادة حالة من «العقلانية»، في مقابل العدمية، ويجب ألا تلهينا سمة «الصمت» التي يفضلها هذا الجيل عن التنبه لعودة التطرف بكل أنواعه وأشكاله. وإذا كانت غزة -فرج الله عن أهلها أزمتهم- ستحتاج إلى إعادة إعمار، فإن إعادة تأهيل وقود المجتمعات والمستقبل، الشباب، وحمايتهم من التطرف والعنف والراديكالية السياسية، لا تقل أهمية عن ذلك!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة والعدمية الجديدة مستقبل جيل ما بعد الألفية غزة والعدمية الجديدة مستقبل جيل ما بعد الألفية



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon