النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن
أخر الأخبار

النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن!

النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن!

 لبنان اليوم -

النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن

بقلم : عبد الرحمن شلقم

النقد الفكري لا يعني دحض الأفكار، أو العمل على إبطالها وإزالتها، بل مراجعتها وفحصها. في أوروبا بدأ نقد الفكر التاريخي الموروث مبكراً. الفلسفة كانت أداة العقل، التي حركت مسيرة الإنسان نحو النهوض والتقدم. الفيلسوف فردريك هيغل كان مهمازاً لدفع حيوية التفكير النقدي. كي تؤسس لزمن جديد، عليك أن تراجع أفكارك دون توقف، أي أن تنتقدها. فأنت لا تستطيع أن تفكر مثل إنسان عاش منذ مائة سنة مضت، أو سيأتي بعد مائة سنة، والزمن له تأثير على العلم والفلسفة. ويضيف هيغل: «لا نستطيع أن نضع قانوناً أو تشريعاً أو فلسفة، تلائم كل الأزمان، بل يجب أن نسخر أفكارنا لمعالجة أمور عصرنا، ومع تقدم الزمن، من الممكن لأي فكرة مهما كانت صحيحة، ألا تلائم الأجيال اللاحقة، ما لم تعدل أو تستبدل بها أخرى، والفكرة التي تزوجت هذا الزمن، ستكون أرملة في الزمن المقبل، والفلسفة هي الزمن، كتب في أفكار». في الغرب كان النقد هو الحادي لمسيرة الحياة، في كل المجالات وعلى كل المستويات.

الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت في كتابه، «نقد العقل المحض»، أقام أعمدة مكينة لمنهج العقل النقدي، وكان له أثر في تأسيس منهج فكري نقدي عميق في كل أوروبا.

مدرسة فرنكفورت النقدية، التي تأسست سنة 1923 وضمت أساتذة من تخصصات مختلفة، في علم الاجتماع والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع وعلم النفس. اجتمعوا على منهج تفكير عقلاني، يقوم على النقد. حرية الفكر والرأي، وانتشار التعليم، كانا ماء الحياة الذي يروي العقل الغربي المبدع، والنقد المستمر هو السماد الذي يعطيه الخصوبة المتجددة.

في أواخر القرن الماضي، بدأ توجه عربي محاولاً تكريس تيار النقد الفكري في المنطقة العربية. الأستاذ المغربي الدكتور محمد عابد الجابري، قام بعمل كبير لنقد العقل العربي. «العقل العربي المكَوَّن والمكَوِّن» كما وصفه الجابري، كان المحور الذي تحركت حوله اجتهادات الجابري. مشروع الجابري الكبير، لقي اهتماماً من النخبة العربية بمَن فيهم من أكاديميين ومفكرين ومثقفين. لكنه تعرض لعاصفة من النقد. هل يوجد عقل عربي واحد قديماً وحديثاً؟ وهل الغوص في الموروث القديم تاريخياً وأدبياً وفقهياً هو الهادي إلى تكوين هذا العقل وفاعليته التي نعيشها اليوم؟ ولماذا لم يخض الجابري بتوسع في نقد العقل الإسلامي الذي يشكل العامل المركزي في تكوين العقل العربي؟ المفكر السوري جورج طرابيشي، قضى قرابة ربع قرن من حياته، في تفكيك ما أنجزه الجابري في مشروعه الكبير، وأصدر عملاً ضخماً تحت عنوان، «نقد العقل العربي». جورج طرابيشي المفكر والمترجم والمؤرخ، أسهم بقوة في تحريك تيار النقد الفكري بمخالفته المنهجية العميقة لما قدمه الدكتور محمد عابد الجابري. طرابيشي اشتبك مع الواقع الفكري والثقافي والسياسي العربي المعيش، بمحركاته الدينية والسياسية والآيديولوجية. رغم الاختلاف والخلاف بين الجابري وطرابيشي، فقد قدم الاثنان للمكتبة العربية، وللقارئ العربي إنجازَين كبيرين، أسهما بقوة في تحريك الفكر النقدي. هناك تابوهات حارقة في فكرنا العربي، يصعب بل يستحيل أحياناً الاقتراب منها والخوض فيها، خاصة الموروث التاريخي الفقهي، الذي يقود مَن يلامسه إلى التكفير والتهجير وحتى القتل. في ملحمة النقد الغربية والأميركية، ربح المنهج النقدي معاركه، بفضل حرية الفكر والرأي وسيادة القانون التي تكرست منذ انطلاق النهضة الأوروبية. محاولات لا تتوقف، خاضها أساتذة ومفكرون ودارسون عرب ومسلمون، في مخاض نقد العقل العربي والإسلامي. تعددت تلك المحاولات، منها ما اختلف ومنها ما اتفق.

الأستاذ الدكتور محمد أركون، اجترح منهجاً نقدياً للعقل الإسلامي، اعتمد فيه إلى حد كبير، على تجربة المدارس الأوروبية في كتابه، نحو نقد العقل الإسلامي، فهوى يرى، عكس محمد عابد الجابري، أنه لا يوجد عقل عربي أو إيراني أو تركي، بل يوجد عقل إسلامي ديني. ويرى محمد أركون أن كل القضايا التي أثارها الاستشراق، في بداية القرن العشرين، ينبغي أن تستعاد وأن تُدرس من جديد على ضوء العلوم الحديثة، وما توصلت إليه الإنسانية كعلم الألسنيات والسيميائيات وعلم النفس التاريخي والأنثروبولوجيا، أي علم الإنسان. أركون كان يرى أن هناك منهجاً إنسانياً مشتركاً في مدرسة الفكر النقدي. في كتابيه، «التشكيل البشري للإسلام»، و«معارك من أجل الأنسنة»، خاض أركون معارك طويلة، مع الفقهاء والمحافظين، وعمل رغم ذلك دون كلل، على نشر فكره عبر وسائل الإعلام المختلفة، العربية والأجنبية. أركون يرى في كل أعماله، أن تأسيس منهج تعليمي نقدي للموروث الديني، هو الطريق الذي يضمن الوصول إلى العصر الحداثي، الذي دخلته الأمم المتقدمة. قال: «لا يمكن للعالم العربي والإسلامي، أن ينطلق حضارياً إلا إذا انخرط في عملية تفكيكية نقدية شاملة، لأنظمة الفكر الديني القديم المسيطر والراسخ الجذور، وكذلك ينبغي تفكيك كل الآيديولوجيات الغوغائية التي سيطرت علينا بعد الاستقلال».

موضوعات نقد العقل والموروث القديم، خاض فيها كثيرون قديماً وحديثاً، لكن الصوت المحافظ المتشدد، لا يزال هو الأعلى، أما النقد ونقده الموضوعي الفاحص، فيبقى قشرة بيضة الوعي، ولا يصل إلى بياضها وصفارها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن النقد ونقد النقد للعقل العربي الإسلامي ولكن



GMT 20:14 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

اليوم التالى عربيا

GMT 20:12 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

الدروز

GMT 20:11 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

انسحاب القوات الأميركية من المنطقة غير وارد

GMT 20:11 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

رمال الصحراء الليبية ــ المصرية... تتحرّك!

GMT 20:10 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

محنة غزة وانتقائية «الضمير العالمي»!

GMT 20:09 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

برّاك: نفِّذوا ما عليكم تُنقذوا لبنان!

GMT 20:08 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

تراجيديا ما بعد غزة

GMT 20:07 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

عن الأقليات... الوجود والمصير

ثنائيات المشاهير يتألقون ودانييلا رحمة وناصيف زيتون يخطفان الأنظار في أول ظهور عقب الزواج

بيروت ـ لبنان اليوم

GMT 13:23 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 21:55 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

نيمار يعطي باريس سان جرمان جوابه النهائي

GMT 15:56 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

قطع مدخل بعلبك احتجاجا على أزمة المحروقات

GMT 07:20 2020 الأربعاء ,05 آب / أغسطس

إصابة زوجة رامي عياش إثر انفجار بيروت

GMT 16:40 2019 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تمام جارودي يعد الجماهير بالفوز في ملعب الشياح

GMT 07:19 2014 الأربعاء ,13 آب / أغسطس

«ميزو» وجرائم التحرير

GMT 06:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

شرم.. الشباب يتكلم والعالم يستمع

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

أرسنال يدين واقعة العنصرية ضد ساكا

GMT 11:05 2018 الخميس ,09 آب / أغسطس

التضخم …آفة مهلكة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon