نحو الحلول الجذرية

نحو الحلول الجذرية

نحو الحلول الجذرية

 لبنان اليوم -

نحو الحلول الجذرية

شارل جبور
بقلم : شارل جبور

العودة في المناسبات الوطنية إلى الإشكاليات الوجودية والمستقبلية تعتبر أكثر من ضرورية بعيداً عن صخب اليوميات والأحداث وتطورات اللحظة السياسية، ولذلك، لا بد في مناسبتَي الاستقلال ومئوية «دولة لبنان الكبير» من مصارحة فعلية بلا أقنعة ولا مجاملات.

قد تكون أسباب سقوط الاستقلال متعددة ومختلفة، ولكن النتيجة واحدة وهي انّ لبنان دولة غير مستقلة عملياً منذ 13 نيسان 1975، أي منذ 45 عاماً، بما يُعادل النصف قرن وأكثر، خصوصاً إذا ما أضيف إلى هذه الفترة مدة 6 سنوات تعود لـ»اتفاق القاهرة» الذي وقِّع عام 1969، فهل من الطبيعي ان تبقى دولة بلا استقلال لـ5 عقود؟ وهل يعقل ان تكون الحقبة الاستقلالية (1943-1969) أقلّ بكثير من الحقبة اللاإستقلالية (1969-...)، وهذا إذا ما أسقطت منها حوادث 1958؟ هل هذا الأمر طبيعي؟ وهل يجوز مواصلة التعامل مع هذا المُعطى بخفة على قاعدة التطبُّع او التبسيط؟ وألا يستدعي هذا الانحلال في الدولة الدعوة إلى المصارحة لمرة واحدة ونهائية والإقرار أنّ الحرب اللبنانية لم تكن حرب الآخرين على أرضنا، وانّ الخلاف بين اللبنانيين ليس على السلطة إنما على هوية البلد ودوره، وانه حان الوقت للاتفاق على مستقبل هذا البلد؟

فالإقرار واجب من أجل المعالجة التي لا يمكن ان تتمّ من دون تشخيص دقيق لواقع الحال، ولأنه لم يعد من المسموح استمرار سياسة الأمر الواقع والدولة الفاشلة إلى ما شاء الله، فالناس الذين انتفضوا في 17 تشرين الأول والذين لم ينتفضوا يريدون العيش في سلام في دولة ناجحة وطبيعية تطبِّق الدستور والقوانين وأولويتها رفاهية الإنسان اللبناني وليس الحسابات الإقليمية والعقائد البالية واللغة الخشبية، كما انّ هؤلاء الناس مَلّوا السياسة الانتظارية والرهان على تطورات سياسية خارجية قد تأتي وقد لا تأتي، ويريدون ان تأتي الحلول عن طريق هيئة حوار لبنانية او استفتاء وطني او الاثنين معاً، وعلى أساس سؤال واحد أوحَد: هل تريد لبنان دولة مركزية أو لامركزية؟

فإذا كان الخيار الإبقاء على وضع لبنان المركزي، فهذا يستدعي ان يتفق اللبنانيون والمجموعات اللبنانية على قواسم وطنية مشتركة تتلخّص بثلاثٍ أساسية:

ـ القاسم المشترك الأول، يتعلّق بالسلاح الذي يجب ان يكون في يد القوى الشرعية فقط لا غير، بعيداً عن اي اجتهاد يرتبط بالمقاومة والنقاش العقيم المتصل بتوازن الرعب والثلاثيات الخشبية، وأنّ ما تسطيع المقاومة تحقيقه لا يستطيع الجيش ان يحققه، وإلى ما هنالك من هذا النقاش الذي لا يوصِل إلى نتيجة. وفي اختصار، على «حزب الله» ان يسلِّم سلاحه للدولة، وان تكون كل الفئات اللبنانية متساوية تحت سقف الدستور والقانون.

ـ القاسم المشترك الثاني، يتصل بالاتفاق على مبدأ الحياد وجَعله البند الأول في مقدمة الدستور، لأنه لا يمكن لبلد تعددي مثل لبنان ان يستقر من دون حياد، فكلّ نزاع خارجي يجب ان يقف عند حدود لبنان، وهذا التوجّه يجب أن ينبع من اقتناع اللبنانيين وليس بقرار أممي او غيره، فإمّا هناك اقتناع بأولوية لبنان وحياده، وهذا الاقتناع سيكون كفيلاً بتعطيل كل تأثير خارجي على الاستقرار الداخلي، وإمّا لا اقتناع وهذا الأمر سيَجرّ البلد إلى نزاعات خدمةً لأهداف خارجية.

ـ القاسم المشترك الثالث، يرتبط بميثاق العيش المشترك الذي يجب ان يكون وليد اقتناع بضرورة الحفاظ على الشراكة المسيحية-الإسلامية بعيداً عن التشاطر والغَلبة والتمنين والتحولات الديموغرافية، والشراكة يجب ان تكون تمثيلية وفعلية وحقيقية، لا صوَرية وشكلية ومفتعلة، فلبنان ليس وطناً إسلامياً ولا مسيحياً، إنما دولة مدنية ارتضى فيها المسيحيون والمسلمون تقاسم السلطة بشراكة في انتظار ان تأتي اللحظة التي يغلب فيها شعور الفرد على الجماعة، فتنتفي عندذاك موجبات هذه الشراكة.

فالاتفاق على هذه القواسم الثلاثة يشكّل المدخل المَبني على اقتناع بضرورة الحفاظ على مركزية الدولة والدفع في اتجاه تطويرها وتحديثها بما يتناسب مع تطلعات المواطن الفرد، طالما انّ الاتفاق على الأساسيات قد تحقق، من السلاح، إلى الحياد، وما بينهما الشراكة الميثاقية. أما إذا كان متعذّراً الاتفاق على هذه الثلاثية، التي كانت وما زالت محور خلاف، أقلّه منذ 5 عقود إلى اليوم، فهذا يعني ضرورة الذهاب إلى الخيار اللامركزي الذي يؤدي إلى فك الارتباط الفوري بالقواسم-الإشكاليات المفنّدة أعلاه. فيستطيع «حزب الله» بذلك، على سبيل المثال، ان يحتفظ بسلاحه ويطبِّق نظام الولي الفقيه في مناطقه وان يحكم منفرداً، ولكنه لا يستطيع تحت أيّ ذريعة الاحتفاظ بسلاحه في بلد تعددي، أو أن يسعى إلى أسلمة النظام ولو سلميّاً، وان يُجبر جميع اللبنانيين على التسليم بخياراته وارتباطاته ورهاناته واقتناعاته.

وفي موازاة الإشكالية المتعلقة بـ»حزب الله» لا يستطيع المسيحي في لبنان ان يفرض نظرته للبلد على الآخرين في أن يكون نموذجاً غربياً في هذا الشرق، من النظام السياسي المرتكز على الحياد والديموقراطية التوافقية، إلى النظام الاقتصادي الليبرالي والحريات على أنواعها، وصولاً إلى نمط عيش معيّن. وما ينطبق على المسيحي ينسحب بدوره على السني الذي في كل مرة صَعد فيها نجم زعيم عربي يسقط الاستقرار في لبنان، من عبد الناصر و»أبو عمار»، وصولاً إلى حافظ الأسد.

وسيخرج من يقول طبعاً انّ النظام الاتحادي سينقل الخلافات من بين الطوائف إلى داخل الطوائف، وهذا غير صحيح لسببين: لأنّ الخلافات لن تكون من طبيعة وجودية كما هي الحال اليوم، ولأنّ النزاع على السلطة سيكون تحت سقف الدولة، كما انّ الفئة نفسها ستقول انّ الانهيار الذي يعيشه لبنان اليوم قدّم فرصة لِمَن هم مقتنعون باللامركزية بتطبيق لامركزية النفايات والاستشفاء والتعليم وغيرها وفشلوا، وهذا غير صحيح لأنّ لامركزية الملفات والقطاعات تستدعي نظاما لامركزياً، ولا يجوز نَعي هذا النظام بسبب فشل النظام المركزي، كذلك لا يمكن تعميم المسؤوليات ومقدّرات السلطة محصورة بالنظام المركزي.

وبعد الانهيار الذي أصاب لبنان على كل المستويات، وبعد الانتفاضة الشعبية، وبعد انفجار 4 آب، لم يعد المواطن اللبناني يتطلّع إلى غير العيش في سلام وأمان وهناء وبحبوحة، وقد حان الوقت ليخرج من يقول «كفى»، ونقصد البطريرك بشارة الراعي، وأن يبادر إلى توجيه الدعوة لمؤتمر وطني تحت عنوان «إمّا تطبيق الدستور بمندرجاته السيادية بعيداً عن اي اجتهاد والالتزام بالحياد والشراكة، وإمّا الانتقال من الدولة المركزية إلى الدولة الاتحادية». وفي حال قرّر من يريد استمرار الأمر الواقع مقاطعة المؤتمر، فيجب الانتقال فوراً إلى فك الارتباط والطلاق السياسي معه بغية ان يتحمّل هذا الفريق وحده مسؤولية الانهيار والفوضى، وانتظار لحظة التدخّل الدولي لعقد مؤتمر برعاية دولية لحلّ الأزمة اللبنانية. لكنّ الأكيد انّ استمرار «الستاتيكو» الحالي لم يعد ممكناً، لأنه يمكن لهذا «الستاتيكو» ان يستمر لـ5 عقود جديدة أو مئوية جديدة، كما انّ الأكيد أنّ ما وصلت إليه البلاد بفِعل سياسات هذا الفريق أصبح أكثر من مواتٍ لدفع الأمور نحو الحلول الجذرية، فإمّا الدولة المركزية الآن كمساحة مشتركة بين جميع اللبنانيين وإمّا الدولة اللامركزية. 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو الحلول الجذرية نحو الحلول الجذرية



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon